الأحكام المذموم شرعا، ورعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه، ولا يختلف فيه، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعا، فكان اتباعه أولى" ص ٢٥٩.
ومنها: أنه يقسم الشرع إلى عبادات، ومقدرات، ومعاملات، فما كان من العبادات والمقدرات يعتبر فيه النص والإجماع، وما كان من المعاملات يعتبر فيه المصلحة فحسب، فإن رأى منها مصلحة اتبعها من غير اعتبار شهادة الشرع لجنس هذه المصلحة أو لنوعها، قال: "واعلم أن هذه الطريقة التي قررناها مستفيدين لها من الحديث المذكور ليست هي القول بالمصالح المرسلة، على ما ذهب إليه مالك، بل هي أبلغ من ذلك، وهي التعويل على النصوص والإجماع في العبادات والمقدرات، وعلى اعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام" إلى أن قال: "أما المعاملات ونحوها فالمتبع فيها مصلحة الناس كما تقرر" ص ٢٧٤ - ٢٧٧.
فإن وقع شيء من التعارض بين المصلحة التي استُخرجت بالعقول وبين النصوص والإجماع يُرفع هذا التعارض. مما قرره حيث قال: "وهذه الأدلة التسعة عشر أقواها النص والإجماع، ثم هما إما أن يوافقا رعاية المصلحة، أو يخالفاها، فإن وافقاها فَبِهَا وَنِعْمَتْ، ولا نزاع إذ قد اتفقت الأدلة الثلاثة على الحكم، وهي النص والإجماع ورعاية المصلحة المستفادة من قوله عليه الصلاة والسلام:"لا ضرر ولا ضرار" وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليهما بطريق التخصيص والبيان لهما، لا بطريق الافتيات عليهما والتعطيل لهما، كما تقدم السنة على القرآن بطريق البيان.
وتقرير ذلك أن النص والإجماع إما أن لا يقتضيا ضررًا ولا مفسدة بالكلية،