للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا قوله عزَّ وجلَّ {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [سورة النساء: ١٧] الآية: أي: ذلك واجب منه تفضلًا التزاما، لا عليه لزوما.

فإن قيل: كيف نسب (أ) الإطعام إلى الله عزَّ وجلَّ ونحن نشاهد الأرزاق مرتبة على هذه الأسباب الظاهرة من الحرف والصناعات وأنواع الاكتسابات؟.

قلنا: هو المقدر لتلك الأسباب الظاهرة بقدرته وحكمته الباطنة، فالجاهل محجوب بالظاهر عن الباطن، والعارف محجوب بالباطن عن الظاهر.

وفي بعض الحكمة: ابن آدم أنت أسوأ بربك ظنا حين كنت أكمل عقلًا لأنك تركت الحرص جنينا محمولًا ورضيعًا مكفولًا، ثم ادَّرَعْتَهُ عاقلا قد أصبت رشدك وبلغت أشدَّك. معناه عن عيسى بن مريم.

"فاستطعموني" أي: سلوني الطعام "أطعمكم" أي: بتقدير أسبابه وتيسير طِلَابه واسألوا الله من فضله.

واعلم أن العالم جماده وحيوانه مطيع لله عزَّ وجلَّ طاعة العبد لسيده، فكما أن السيد يقول لعبده: أعط فلانًا كذا، وأهد لفلان كذا وتصدق على هذا الفقير بكذا، كذلك الله عَزَّ وَجَلَّ يُسَخِّرُ السحابَ فيسقي أرض فلان، أو البلد الفلاني، ويحرك قلب فلان لإعطاء فلان، ويخرج فلان إلى فلان بوجه من الوجوه لينال منه نفعا ونحو ذلك، وتصرفات الله عزَّ وجلَّ في العالم عجيبة لمن تدبرها {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سورة الذاريات: ٥٨].


(أ) في م ينسب.