للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويجاب عن هذا بوجهين:

أحدهما: لا نسلم أن قوله: "فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه" يقتضي أنها ليست إثما؛ لأن الاستبراء للدين والعرض واجب، واتقاء الشبهات طريق إليه، والطريق إلى الواجب واجب، فاتقاء الشبهات واجب، فملابستهما إثم.

الوجه الثاني: سلمنا أن حديث النعمان يقتضي أنها ليست إثما، لكنه محمول على ما إذا ضعفت الشبهة فيبنى على أصل الحل، ويجتنب محل الشبهة وَرَعًا، وحديث وابصة محمول على ما تَرَدَّدَ في الصدر لقوة الشبهة وتمكنها في النفس، فيكون إثما أخذًا بظاهر قوة الشبهة، ويكون من باب ترك الأصل للظاهر، أعني أصل الحل لظاهر الشبهة وتمكنها، ويزول التعارض.

قوله: "أفتاك الناس وأفتوك" إنما وَحَّدَ الفعل الأول لاستناده إلى ظاهر، وجمع الثاني لاستناده إلى ضمير، والأصل فيه أن الفعل إنما يكون له فاعل واحد، فإن كان ظاهرًا امتنع اتصال ضميره بالفعل نحو أفتاك الناس، لئلا يتعدد الفاعل، وهو غير جائز، وإن لم يكن ظاهرًا وحب إضماره، نحو أفتوك لئلا يتجرد الفعل عن الفاعل وهو غير جائز.

وأما قوله عزَّ وجلَّ {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: ٣] و {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة: ٧١] فهو من باب البدل من الضمير، لا من باب تعدد الفاعل، ولا من باب أكلوني البراغيث، فإنها لغة ضعيفة، وقد تأوَّلها قوم على أن الضمير علامة جمع الفاعل كالتاء في قامت هند علامة تأنيث الفاعل.