الأربعة، وبعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، ومعرفة حدودها، ورسومها، والكشف عن حقائقها، وتفاصيل أحكامها مذكور في أصول الفقه.
ثم إن قوله عليه الصلاة والسلام:"لا ضرر ولا ضرار" يقتضي رعاية المصالح إثباتا، والمفاسد نفيا، إذ الضرر هو المفسدة، فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النفع الذي هو المصلحة لأنهما نقيضان لا واسطة بينهما.
وهذه الأدلة التسعة عشر أقواها النص والإجماع، ثم هما إما أن يوافقا رعاية المصلحة، أو يخالفاها، فإن وافقاها فَبِهَا وَنِعْمَت، ولا نزاع إذ قد اتفقت الأدلة الثلاثة على الحكم، وهي النص والإجماع ورعاية المصلحة المستفادة من قوله عليه الصلاة والسلام:"لا ضرر ولا ضرار" وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليهما بطريق التخصيص والبيان لهما، لا بطريق الافتيات عليهما والتعطيل لهما، كما تقدم السنة على القرآن بطريق البيان.
وتقرير ذلك أن النص والإجماع إما أن لا يقتضيا ضررًا ولا مفسدة بالكلية، أو يقتضيا ذلك، فإن لم يقتضيا شيئًا من ذلك فهما موافقان لرعاية المصلحة، وإن اقتضيا ضررا فإما أن يكون مجموعَ مدلوليهما أو بعضَه، فإن كان مجموعُ مدلوليهما ضررًا فلا بد أن يكون من قبيل ما استثني من قوله عليه الصلاة والسلام:"لا ضرر ولا ضرار" وذلك كالحدود والعقوبات على الجنايات، وإن كان الضررُ بعضَ مدلوليهما فإن اقتضاه دليل خاص اتبع الدليل فيه، وإن لم يقتضه دليلٌ خاصٌّ وجب تخصيصهما بقوله عليه الصلاة والسلام:"لا ضرر ولا ضرار" جمعا بين الأدلة.