باشروهن} إلى قوله:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}.
وكان في صدر الإسلام إذا نام الإنسان منع من الأكل والشرب والجماع، فلحق الناس في ذلك مشقة؛ فأصاب بعض الصحابة ذلك والقصة معروفة؛ فنسخ الله تعالى ذلك بقوله سبحانه:{فالآن باشروهن}، ثم عطف عليه قوله:{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}؛ فبين أن تلك الإباحة هي لمن كان صائما غير معتكف؛ فلو كان الاعتكاف يصح بغير صوم لم يكن لقصر الخطاب بالمنع من ذلك على الصائمين معنى؛ لأن من يخالفنا لا يفرق في ذلك بين أن يكون المعتكف صائما أو غير صائم؛ فثبت بما قلناه أن الصوم شرط في الاعتكاف.
ويدل على ذلك أيض ما رواه سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا اعتكاف إلا بصيام".
وهذا نص.
فإن قيل: لا دلالة في هذا الظاهر؛ لأن النفي تعلق بوجود؛ وذلك أن الاعتكاف يوجد وإن لم يقارنه صوم؛ فإذا المراد نفى حكم من أحكام الاعتكاف، وذلك الحكم غير مذكور يحتمل أن حمله الإجزاء، ويحتمل أن يكون الكمال فليس لكم حمله على أحدهما إلا ولنا حمله على غيره.