بل يكفي في شجاعة الرجل ألا يعظم الخوف في نفسه حتى يمنعه من الإقدام، أو يرجع به الانهزام.
قال هشام بن عبد الملك لأخيه مسلمة -المسمى ليث الوغى -:
يا أبا سعيد! هل دخلك ذعر قط في حرب أو عدو؟
قال له مسلمة: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبِّه على حيلة، ولم يغشني فيها ذعر سلبني رأي.
قال هشام: هذه هي البسالة.
فالشجاعة -إذاً- هي مواجهة الخطر أو الألم أو نحو ذلك عند الحاجة في ثبات، وليست مرادفة لعدم الخوف كما يظن بعض الناس.
فالشجاعة لا تعتمد على الإقدام والإحجام فحسب، ولا على الخوف وعدمه.
بل ليس بالمحمود أن يتجرد الإنسان من كل خوف؛ فقد يكون الخوف فضيلة، وعدمه رذيلة؛ فالخوف عند الإقدام على أمر مهم تتعلق به مصالح الأمة، أو يحتاج إلى اتخاذ قرار حاسم فضيلةٌ؛ وأي فضيلة؛ إذ هو يحمل على الرويَّة، والتأني، والتؤدة؛ حتى يختمر الرأي، وينضج في الذهن؛ فلا خير في الرأي الفطير، ولا الكلام القضيب -المرتجل-.
والعرب تقول في أمثالها:" الخطأ زاد العجول "(١)
كما أنها تمدح من يتريث، ويتأنى، ويقلب الأمور ظهراً لبطن، وتقول فيه:" إنه لحوُّل قُلَّب ".