ولو كانت هجرته عليه الصلاة والسلام فرارًا بالدين والنفس فقط، لكان الأولى أن يهاجر مع أصحابه إلى الحبشة، حيث حماية ملك اعتنق الإسلام، وآوى المسلمين، ولكن هجرته عليه الصلاة والسلام إلى دار الهجرة كانت نشدانًا لتكوين جماعة الإيمان ومستقرًا لمن آمن ويوضح ذلك كلام عمه العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - لنقباء بيعة العقبة الثانية، وهو يبين لهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لن يهاجر إليهم فرارًا وامتناعًا من الإيذاء:"يا معشر الخزرج - وكانت العرب تسمي الحي من الأنصار: الخزرج، أوسها وخزرجها -: إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزٍ من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه له، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما حملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزٍ ومنعة من قومه وبلده"(١) .