للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وها هو النبي صلى الله عليه وسلم ما إن يستقر قراره في مهاجره حتى يعقد الألوية لأصحابه في تلك السنة ويبعث السرايا وينشئ الغزوات تلو الغزوات يقودها مرة بنفسه ويعقد لواءها لمن شاء من صحابته مرة أخرى؛ حتى كانت غزوة بدر الكبرى فاصلة الإسلام في السنة الثانية من تلك الهجرة الميمونة.

وهكذا نرى هجرته صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت مرحلة من مراحل التمكين وعاملًا هامًا من عوامل تحققه، يجب على المسلمين أن يجعلوه درسًا يستفيدوا منه وينهجوا عليه، خصوصًا إذا ضاقت بدعوتهم الضوائق، وزلزلت بهم المكائد، فلهم أن يهاجروا إلى مواضع من أرض ربهم الواسعة، يقيمون فيها دينهم ويراغمون بها أعداءهم، وتتقوى بها شوكتهم.

أما ما ورد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» (١) فلا يدل على انتهاء الهجرة، وإنما على انقطاعها في ذاك الأوان من مكة إلى المدينة وذلك أن مكة تحولت بالفتح من دار كفر إلى دار إسلام فانقطعت الهجرة منها بذلك.

وعلى مثل هذه الحال يُنَزَّل هذا الحديث في كل بلد كان حاله مثل حال مكة ثم فتحه المسلمون (٢) .


(١) صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب لا هجرة بعد الفتح (٤ / ١٧٢) .
(٢) انظر فتح الباري (٦ / ١٩٠) .

<<  <   >  >>