وهو سد بناه ذو القرنين لم يكن كغيره من سدود بني الإنسان التي تبنى باللبن والحجارة ونحوه، وإنما كان سدًا مبنيًا بأرقى طرائق البناء وأقوى معادن الصناعة وأتقن وسائل التصميم، وإليك بيان هذا مجملًا فلقد أتى ذو القرنين على أولئك الأقوام المتخلفين الذين لا يكادون يفقهون قولًا، ولا يعلمون شيئًا من أحوال التحضر، فشكوا إليه إفساد يأجوج ومأجوج وطلبوا منه إقامة سد ويعطونه أجرًا على ذلك، وطلبهم لإقامة سد كان وجيهًا، لأنه كان بينهم وبين يأجوج ومأجوج حواجز من شواهق الجبال الصم؛ تمتد بينهما على شكل سلسلتين من الجبال، بينهما فجوة هي منفذ يأجوج ومأجوج في هجماتهم على القوم الذين لا يكادون يفقهون قولًا وعند ذلك استعد ذو القرنين ببناء السد وسماه ردمًا أي أعظم مما طلبوه، وعمد إلى تلك الفجوة التي بين الصدفين - وهما الجبلان العظيمان المتقابلان - فملأ الفجوة بزبر الحديد أي قطَعهُ المقدرة مثل اللَّبِن حتى ساوى بين رؤوس الجبلين وبين ما في الفجوة من الحديد فجعلهم سواء، ثم أمر بالمياكير فنفخت الحديد بالنار حتى جعلت من قِطَع الحديد نارًا فأصبحت حمراء متوهجة فصب عليها وهي في تلك الحال النحاس المذاب وهو القِطْر،