ويحسنُ بنا أن نَسُوقَ لهؤلاءِ شيئاً مِنْ دُرَرِ كلامِ الإمامِ أبي بكرٍ الجَصَّاصِ - رحمه الله - حيث شَخَّصَ الدَّاءَ، ووَصَفَ لنا الدَّواءَ، إذا يقول: " لم يَدْفعْ أحدٌ من علماءِ الأمَّةِ، وفقهائِها - سلفهم وخلفهم - وجوبَ ذلك إلاَّ قومٌ من الحَشْوِ، وجُهَّالِ أصحابِ الحديثِ؛ فإنَّهم أنكروا قتالَ الفِئَةِ الباغِيةِ، والأمْرَ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكرِ بالسِّلاحِ، وسَمُّوا الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ فِتْنَةً إذا احْتِيجَ فيه إلى السِّلاحِ، وقِتَالُ الفئةِ الباغيةِ مع ما قد سَمِعُوا فيه من قَوْلِ الله عزَّ وجل:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات ٩] ، وما يقتضيه اللَّفظُ مِنْ وُجُوبِ قتالِها بالسَّيفِ وغيرِه، وزعموا مع ذلك أنَّ السُّلطانَ لا يُنْكَرُ عليه الظُّلْمُ، والجَوْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ التي حَرَّمَ الله، وإنَّما يُنْكَرُ على غيرِ السُّلطانِ بالقولِ، أو باليدِ بغيرِ سلاحٍ، فصاروا شَراً على الأمَّةِ من أعدائِها المُخَالفين لها؛ لأنَّهم أقْعَدُوا النَّاسَ عن قِتَالِ الفئةِ الباغيةِ، وعن الإنكارِ على السُّلطانِ الظُّلمَ