وهذا أيضاً الحافظُ أبو العباس أحمد القُرطُبي، يقولُ في شرحِه لحديث (السِّتر) : " هذا حضٌّ على سِتْرِ مَنْ سَتَرَ نفسَه، ولم تَدْعُ الحاجةُ الدِّينيَّةُ إلى كشفِه، فأمَّا من اشتُهِرَ بالمعاصي، ولم يُبالِ بفعلِها، ولم يَنْتَهِ عمَّا نُهِي عنه، فواجبٌ رفعُه للإمامِ، وتنكيلُه، وإشهارُه للأنامِ ليرتدِعَ بذلك أمثالُه، وكذلك من تدعو الحاجةُ إلى كشفِ حالِهم من الشُّهودِ المجْرَّوحين، فيجبُ أن يُكشفَ منهم ما يقتضي تجريحهم، ويحرُمُ سترهم مخافة تغيير الشَّرعِ وإبطالِ الحقوق". (١) وهناك كثيرٌ من أقوالِ أهل العلمِ الدَّالةِ على تقريرِ ما ذكرناه، غير أننا تجاوزنا ذكرها رغبةً للاختصارِ.
ثمَّ اعلم أخي المسلم؛ أنَّ كشفَ ذنُوبِ المُجاهرين، وعدمِ سترِ معاصيهم ليس مختصٌّ بحياتِهم!؛ بل يتعدَّاهُ إلى موتِهم عياذاً بالله، وما ذاك إلاَّ تحذيراً منهم ومِنْ مَعَاصيهم، وردعاً لغيرهم مِنْ أمثالِهم.
وعلى هذا نقولُ: إذا ظَهَرَ لغاسلِهم شرٌ أن يُظْهرَه، ولا يَسْتُرَه ليرتدعَ غيرُهم، ويعتبرَ مقلِّدُوهم.
(١) ـ انظر «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (٦ / ٥٥٨) .