وقبل وفاة العيثاوي بخمسة أيام جاءت فتوى فدخل النجم فقال له العيثاوي: اكتب عليها، فقال: أكتب اسمكم؟ فقال: بل اكتب اسمك، فكتب ثم تتابعت عليه الفتاوى فاستمر يفتي من سنة خمس وعشرين إلى سنة واحد وستين وألف، وهي سنة وفاته. وكان مغرما بالحج إلى بيت الله الحرام وأول حجاته سنة ألف وواحد. وجلس مكان الشمس الميداني تحت قبة النسر لإلقاء صحيح البخاري في الثلاثة أشهر، وكان قارئ الدرس السيد أحمد بن علي الصفوري، ثم الشيخ رمضان العكاري، ثم الشيخ مصطفى بن سوار، وكانت مدة جلوسه تحت القبة سبعا وعشرين سنة، وذلك قدر جلوس الميداني، وأخبر الشيخ حمزة الحنبلي ابن يوسف الدومي: أن النجم لما حج سنة تسع وخمسين وألف، وكان الشيخ حمزة صحبة الشيخ منصور السطوحي المحلي، قال الشيخ حمزة: بينما أنا عند الشيخ منصور بخلوة له بباب الزيادة إذا بصيحة عظيمة قال: فخرجت ونظرت وإذا بالنجم والناس حوله يقولون: أجزنا فوقف عند باب الزيادة وقال لهم: أجزتكم بما تجوز لي روايته بشرطه عند أهله بشرط أن لا يلحقنا أحد حتى نطوف، ثم مشى إلى المطاف فما وصل إليه إلا وخلفه ناس أكثر من الأول، فوقف وأجازهم كما تقدم وقال لهم: بشرط أن لا يشغلنا أحد عن الطواف، قال: فوقف الناس وطاف، وطاف ولم يكن يطوف مع الشيخ إلا أناس قلائل كأنما أخلي له المطاف، فلما فرغ من الطواف طلبوا منه الإجازة أيضا فأجازهم، ثم أرسل الشيخ منصور ودعاه للخلوة، فذهب فلحقه الناس إلى باب الخلوة وطلبوا منه الإجازة فأجازهم ودخل الخلوة، ثم جاء الشيخ محمد البابلي ثم هنية جاء الشريف زيد صاحب مكة، فلما استقر بهم المجلس تذاكروا أمر الساعة، ثم أخذ البابلي في الكلام فأسكته النجم ثم جلس على ركبتيه وشرع يورد أحاديث الساعة بأسانيدها وعزوها لمخرجيها ويتكلم على معانيها حتى بهر العقول، ثم إن البابلي وكذلك الشيخ منصور والشريف وزيد استجازوه استجازة فأجازهم، ثم قد الشيخ منصور سماطا وأردفه الشريف زيد بأشياء من المآكل.
وكان قبل موته بنحو ست سنوات اعتراه طرف فالج فكان لا يتكلم إلا قليلا فعد هذا المجلس وإيراده ما أورد من الكرامات له. وقد أخبر بعض الثقات أنه سال بعض الصالحين عن الأبدال بالشام فعد منهم ثلاثة أحدهم النجم. وما أشتهر أن سكوته بذلك لعارض كان من الشيخ حسين فرفرة لا يقدح في ولايته كما يظن، ولعل ذلك كان سببا للولاية في مقابلة انكسار حصل له. وتوجه إلى القدس هو والشيخ إبراهيم الصمادي في جمعية عظيمة وزار تلك المعاهد ثم رجعا إلى دمشق وتخلى للعبادة وترك التأليف وبلغت به السن إلى الهرم.
وكانت وفاته ليلة الأربعاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة ألف وإحدى وستين عن ثلاث وثمانين سنة وعشرة أشهر وأربعة أيام. ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رضي الله عنه.
ومن غريب ما اتفق في درسه تحت القبة أن الشمس الداودي كان وصل في إقرائه البخاري إلى باب: كان صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى لا يكف شعراً ولا ثوباً، ودرس بعده الشمس الميداني من ذلك الباب إلى باب مناقب عمار بن ياسر، وتوفي. ودرس بعده النجم إلى أن أكمله في ثلاث سنوات ثم افتتحه وختمه وأعاد قراءته إلى أن وصل إلى باب البكاء على الميت، وقبل موته بيومين استبرأ الذمة من الناس وفلاحي بساتينه وأوقافه، ودار على أهله وأهل ابنته وبنتها وغيرهم وزارهم، وأتى إلى منزله بيت زوجته أم القاضي يحيى بن حميد بزقاق الوزير الآخذ إلى سوق جقمق. وصلى المغرب ثم جلس لقراءة الأوراد، وأخذ يسأل عن أذان العشاء، فلما أخبر به صلى العشاء وأخذ في ذكر لا إله إلا الله مستقبل القبلة، ثم سمع منه وهو يقول: بالذي أرسلك ارفق بي، فدخلوا عليه فوجدوه وقد قضى نحبه.
وقد حضرته في دروسه العامة بعد العصر في الثلاثة أشهر تحت القبة في البخاري، المجالس التي لا تعد، وكنت أسأله ومن في المجلس إذ ذاك من العلماء الكبار عن كل ما يشكل علّي، وحضرته في شرح جمع الجوامع في الأصول في مدرسة الشامية البرانية. وتوجهت مع بعض إخواني من الطلبة إلى منزله بزقاق الوزير، وقرأت عليه الألفية للعراقي في المصطلح. وأجازني خصوصا بعد الإجازة العامة.