ومنهم شيخنا الشيخ محمد نجم الدين الفرضي. كان ماهرا في تفهيم الطلبة وجبر خواطرهم، حاد المزاج سريع الإتقان قريب الرجوع مباركا. ما قرأ عليه أحد إلا انتفع. محدث فقيه حسابي فرضي. لزم الشرف الدمشقي والشيخ عبد الرحمن العمادي والنجم الغزي، يدرس في جامع بني أمية في الفنون العديدة الدروس الخاصة والعامة، أجرى الله على يديه الخيرات التي لا تنقطع، فأجرى من ماله نحوا من مئة وأربعين قناة كانت دائرة، وكان يحضر دروسه جمع نحو أربعين ويجاوزونهم، أخذ عنه غالب طلبة العلم الشاميين وغيرهم، ورئيت له المنامات العظيمة والمبشرات العزيزة منها: أن رجلاً من الصالحين رأى بعض أصحابه من الموتى لابساً حلة عظيمة لم ير مثلها في الدنيا، فسأله عن حاله قال: كنا بأسوء حال فلما دفن الشيخ نجم الدين الفرضي في جبانتنا ألبس الله جميع أهل جبانته حللاً مثل هذه الحلة وغفر لهم ببركته.
هذا وقد حضرت تقريره في دروس العربية، وفي أسماء الرجال، ودخلت في عموم إجازته ولله الحمد.
ولد ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وألف، وتوفي ليلة الجمعة حادي عشر صفر الخير سنة تسعين وألف. ودفن بمقبرة باب الصغير ومن غريب الاتفاق أن بعض الأدباء أرخ وفاته بلفظ: فرضي.
وكان للمترجم أخ يدعى بالكمال الفرضي، وكان فرضياً إماماً في الحديث والفقه والحساب والأدب أيضا، توفي سادس عشر ذي القعدة الحرام سنة ثمان وثمانين وألف رحمهما الله تعالى.
[الملا محمود الكردي]
ومن مشايخي الملا محمود الكردي نزيل دمشق، أعلم العلماء المحققين في علوم العربية وصاحب حل المشكلات على التفاسير، يملي عليه الطلبة لضعف بصره عبارات الكتب والحواشي فيمليها وقت التدريس بأحسن إيرادا في مواقعها. وقد أقام بدمشق نحو ستين سنة منهمكاً عاكفاً على التدريس والتعليم والتفهيم والتحقيق، كان مباركا في غاية الصلاح والزهد والتَّغَفُّل في أمور الدنيا حتى إذا خرج من المسجد يصير يسأل عن البيت من يلقاه، فكان إذا سئل عن عمره يقول خمس وثلاثون ومئة ظناً. وخمس وعشرون ومئة قطعاً. ولما ورد دمشق كان في أساتذة الأكراد كالخلخالي وأضرابه، أخذ عنه العلامة شيخنا إبراهيم بن منصور الفتال وباقي معاصريه. وكانت وفاته في سنة أربع وسبعين وألف. ودفن بباب الفراديس.
هذا وقد قرأت عليه في مختصر المعاني. وحضرت غالب الدروس التي كانت تقرأ عليه من علوم العربية كالمختصر والمطول وكتب المنطق كإيساغوجي وغالب شروحه. ودروسه في البيضاوي مع حله للحواشي التي عليه ولله الحمد.
[رمضان بن عبد الحق العكاري]
ومنهم الشيخ رمضان العكاري بن عبد الحق الدمشقي الفقيه الحنفي. كان جيد التعليم أصولياً فروعياً محدثاً، أخذ عن المحدث محمد بن داود المقدسي نزيل دمشق، وعن محمد بن علي المقدسي ثم الدمشقي العلمي. والمعقولات والعربية عن الملا أبي بكر السندي نزيل دمشق، وكان يفتي في حياة العمادي. قبل إنه أخبر في مرضه الذي مات فيه أنه لما حج اجتمع برجل في الحرم الكي فقال له: أنت إمام العصر، قال: ثم غاب عني في محله فتبين لي أنه الخضر. ورئي في المنام بعد وفاته جالساً بمحراب السنانية فنظر إلى الرائي وأنشد بلفظ عريض: من الوافر
مضى عصر الصبا لا في انشراحِ ... ولا وصل يطيب مع الملاحِ
ولا في خدمة المولى تعالى ... ففيها كل أنواع الفلاحِ
وكنت أظن يصلحني مشيبي ... فشبت فأين آثار الصلاحِ
وسئل العطيفي عن هذه الأبيات هل هي من نظمه أو من نظم غيره؟ فتوقف. ثم بعد ذلك رويت منسوبة لبعض بني السبكي.
هذا وقد أجازني في صفر سنة بعد أن قبلت يده اللينة بسائر مروياته ولله الحمد.
الشيخ أيوب بن أحمد الخلوتي