ومنهم شيخنا وأستاذنا في الطريق الخلوتية والشريعة الشيخ أيوب بن أحمد، الأستاذ الكبير، الحنفي الخلوتي. أصله من البقاع العزيز، يتصل نسبة بسيدي عدي بن مسافر. ولد بصالحية دمشق ونشأ بها واشتغل بسائر العلوم على القاضي محب الدين، والملا نظام والملا أبي بكر السنديين، وعبد الحق الحجازي والحديث عن المعمر إبراهيم بن الأحدب، وطريق الخلوتية عن العارف أحمد العسالي، وكان شيخ وقته حالاً وقالاً، له رسالة سماها ذخيرة الفتح ودونها عقيلة التغريد وخميلة التوحيد. جامعا بين الشريعة والحقيقة، كان يقول: أعرف ثمانين علماً. توجه إلى بلاد الروم سنة خمسين وألف بطلب من السلطان إبراهيم فكان يقول: أظلمت في وجهي الدنيا منذ خرجت من دمشق إلى أن عدت إليها، كان متواضعا طارحا للتكلف، حسن المعاملة مع خلق الله جميعا، وله وقائع كثيرة في الكشف، وزار الشيخ محيي الدين بن عربي في منامه بعد أن قطع أربعين حجابا فدخل عليه بعدها فقال له الشيخ: أنت على قدمي يا أيوب، ما دخل علّي غيرك. ورأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام والعشرة وهو صلّى الله عليه وسلّم قائل لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قل لأيوب طوبى لعصر أنت فيه، وكان ملازما لا إله إلا الله حتى امتزجت به، فكان إذا نام سمع هديره بها، وكان يقول: لو كنت في مبدأ أمري أعلم ما في لا إله إلا الله من الأسرار ما طلبت شيئا من العلوم، وسورة الإخلاص ملازمتها أقهر للنفس الأمارة وأشد تأثيراً في فنائها فهي أولى للمتوسط في سلوك الطريق. وكان الناس ينكرون عليه مخالطة المرد فوقع أنه كان ليلة نائماً وقريب من أمرد نائم فأنكر عليه غاية الإنكار فخرج المنكر خارج الدار فصادف الشيخ قائماً يصلي فحقق شخصه، ثم دخل فرآه نائماً فتكرر ذلك منه مراراً فسلم للشيخ حاله ورجع عن الإنكار، وهذا من صفات البدلية، فإن الأولياء يكونون في مكان وشبههم في مكان آخر، وقد يكون ذلك من الكشف الصوري الذي ترتفع فيه الجدران وينتفي الاستطراف. ووقع له من هذا في الخلوة بجامع السليمية أنه كبر وعظم حتى ملأ الخلوة رآه على هذه الحالة بعض حفدته من العلماء.
ولد سنة أربع وتسعين وتسع مئة. وتوفي نهار الأربعاء مستهل صفر سنة إحدى وسبعين وألف. ودفن بمقبرة باب الفراديس.
هذا وقد قسم لي النصيب فأخذت عنه طريق الخلوتية بالمبايعة المعتادة، وحضرت دروسه الفرادية، ومذاكرته لبعض الطلبة في مسائل التصوف والحديث والقراءات. وأجازني بسائر ما تجوز له روايته كما يعلم ذلك من ثبت ابن الأحدب والله سبحانه أعلم.