القرآن على والداي، تولى قراءتي بنفسه اعتناءً بي، وعمري إذ ذاك عشر سنين، وتيتمت بعد ذلك وشرعت في الاشتغال بطلب العلم سنة ١٠١٧ للهجرة فأخذت الفقه عن القاضي أحمد الوفائي المفلحي، وأخذت طريق الصوفية عن ولد عمي الشيخ نور الدين خليفة الشيخ محمد العلمي، ولقنني العلم وأجازني الشيخ محمد العلمي في القدس بالبداءة في الأوراد والأذكار والمحيا إذا كنت بين إخواني، ورحلت إلى مصر سنة ١٠٢٩، فأخذت الفقه عن الشيخ منصور البهوتي الحنبلي والشيخ عبد القادر الدنشوري، والشيخ يوسف الفتوحي سبط ابن النجار وأخذت القراءة عن الشيخ عبد الرحمن اليمني، والحديث عن الشيخ إبراهيم اللقاني والشيخ أحمد المقري، والفرائض عن الشيخ الشمرلسي، وعن زين العابدين بن أبي دريّ المالكي، وعن كثير من مشايخ الجامع الأزهر من أجلهم: عبد الجواد الجنبلاطي، والعروض وغيره من العلوم عن الشيخ محمد الحموي، وقرأت شيئاً من المنطق والعربية على الشيخ محمد البابلي وحضرته كثيراً. وأشياخي غيرهم كثير ثم عدت إلى دمشق سنة ١٠٣٢ للهجرة اثنتين وثلاثين وألف بإجازات الأشياخ بالفنون المزبورة. وغيرها وبالإفتاء والتدريس، فدرست في جامع بني أمية زمن قدومي، وقرأت بعد ذلك في الشام على شيخ الإسلام شيخ عمر بن محمد القاري في النحو والمعاني والحديث والأصول، وأجازني، وحججت حجة الإسلام سنة ١٠٣٦ فأخذت عن جماعة من أهل مكة من أجلهم مولانا الشيخ محمد علي بن علان الصديقي وأجازني، والشيخ عبد الرحمن المرشدي وأخذت عن أهل الحرم المدني عن جماعة من أجلهم الشيخ عبد الرحمن الخياري، فقد أجازني والله الحمد أهل مكة والمدينة ومصر ودمشق وأهل بيت المقدس، وأعلى أسانيدي في جميع مرويات ابن حجر وفي جميع كتب الحديث عن الشيخ حجازي الواعظ عن أحمد بن أركماس من أهل غيط العدة بمصر عن الحافظ العسقلاني. على أن هذا الفقير المترجم نفسه أوثقته الذنوب عن اللحاق بكل مصحوب، غره طول الأمل، فانقطع عن كثير من العمل، يسوف أعماله بالمهلة، يتردد بين الفتور والغفلة، مع ما يسر الله له من صحبة الرجال ومحبة أرباب المعارف والأحوال، ولكن عقله عقل الأطفال في حركاته، وسمته سمت العوام في سكناته، ليله يذهب في المنام، ونهاره يذهب فيما لا يجدي من الكلام، ينسب إلى الزهاد مع تخلفه عن طريقهم، ويحسب في العباد وهو بمعزل عن تحقيقهم، قد قصر عن إدراكهم مسير جواده مما حشاه من الأدواء في فؤاده، وكلما لام نفسه على التسويف أسرعت إليه، وإذا استنهضها إلى الاجتهاد أجمحت عليه، وإن أمت مؤمناً فيا فوزي، وأرجو ذلك من فضل سيدي ومعبودي، إنه جواد كريم غفور رحيم: من الطويل
فليس له عَونٌ عليها يردّها ... إلى الخير إلاّ اللهُ واللهُ يغفرُ
أتيناك فاقبلنا دعوناك فاعطنا ... على الخير فاقبضنا فجودك أغزرُ
انتهى كلام الوالد رحمه الله في ثبته وأقول الفقير: وتصدر والداي للإقراء في الجامع الأموي سنة ١٠٤١ بكرة النهار وبين العشائين، فقرأ الجامع الصغير في الحديث مرتين، وتفسير الجلالين مرتين، وقرأ صحيح البخاري بتمامه، ومسلم والشفا، والمواهب، والترغيب والترهيب، والتذكرة للقرطبي، وشرح البرأة، والمنفرجة، والشمائل، والإحياء جميع ذلك بطرفيه، ولازم ذلك ملازمة كلية بمحراب الحنابلة أولاً، ثم بمحراب الشافعية ولم ينفصل عن ذلك شتاء ولا صيفاً ولا ليلة عيد، حتى ليلة وفاة والدتنا زوجته أبقاها ميتة في الدار ليدفنها في غد ذلك اليوم، وحتى ليلة عرس الفقير وأخيه، وكان فيه نفع عظيم، وأخذ عنه خلق كثير أجلهم: الأستاذ الكبير واحد الدنيا في المعارف إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المنورة والسيد العالم محمد بن عبد الرسول البرزنجي وغيرهم من العلماء الأجلاء والطلبة والمنتهون منهم المرحوم الشيخ مصطفى شيخ المحيا ابن سوار، ومنهم الشيخ محمد البطنيني، ومنهم الشيخ محمد الداراني، ومنهم الشيخ عبد الحق الصفوري، ومنهم الشيخ رمضان بن موسى العطيفي وأخوه الشيخ حسن. ومن أهل البلدة والمصريين والحلبيين والنجديين والأغراب والمترددين والآفاقيين خلائق كثيرون.