للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٢٨٩ - وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ , عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ , عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّظْرَةُ الْأُولَى لَكَ , وَالْآخِرَةُ عَلَيْكَ» . قَالُوا: فَلَمَّا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ النَّظْرَةَ الثَّانِيَةَ , لِأَنَّهَا تَكُونُ بِاخْتِيَارِ النَّاظِرِ , وَخَالَفَ بَيْنَ حُكْمِهَا وَبَيْنَ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا , إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنَ النَّاظِرِ , دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنَ النِّكَاحِ أَوِ الْحُرْمَةِ , مَا لَا يُحَرِّمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْهَا. فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى , أَنَّ الَّذِي أَبَاحَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ , هُوَ النَّظَرُ لِلْخِطْبَةِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ , فَذَلِكَ نَظَرٌ بِسَبَبٍ هُوَ حَلَالٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ نَظَرَ إِلَى وَجْهِ امْرَأَةٍ , لَا نِكَاحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا , لِيَشْهَدَ عَلَيْهَا , وَلِيَشْهَدَ لَهَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. فَكَذَلِكَ إِذَا نَظَرَ إِلَى وَجْهِهَا لِيَخْطُبَهَا , كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ أَيْضًا. فَأَمَّا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ , وَجَرِيرٍ , وَبُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ , فَذَلِكَ لِغَيْرِ الْخِطْبَةِ , وَلِغَيْرِ مَا هُوَ حَلَالٌ , فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ. وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى صَدْرِ الْمَرْأَةِ الْأَمَةِ , إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ حَلَالٌ , لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ مِنْهَا , لِيَبْتَاعَهَا لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ نَظَرَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهَا , لَا لِيَبْتَاعَهَا , وَلَكِنْ لِغَيْرِ ذَلِكَ , كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامًا. فَكَذَلِكَ نَظَرُهُ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ إِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَعْنًى هُوَ حَلَالٌ , فَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لَهُ , وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ لِمَعْنًى هُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ , فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لَهُ، ⦗١٦⦘ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ لِيَخْطُبَهَا حَلَالٌ , خَرَجَ بِذَلِكَ حُكْمُهُ مِنْ حُكْمِ الْعَوْرَةِ، وَلِأَنَّا رَأَيْنَا مَا هُوَ عَوْرَةٌ لَا يُبَاحُ لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحَهَا النَّظَرُ إِلَيْهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ , فَحَرَامٌ عَلَيْهِ النَّظَرُ إِلَى شَعْرِهَا , وَإِلَى صَدْرِهَا , وَإِلَى مَا هُوَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي بَدَنِهَا , كَمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ مِنْهَا , عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ نِكَاحَهَا. فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِهَا حَلَالٌ لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحَهَا , ثَبَتَ أَنَّهُ حَلَالٌ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يُرِدْ نِكَاحَهَا , إِذَا كَانَ لَا يَقْصِدُ بِنَظَرِهِ ذَلِكَ لِمَعْنًى هُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ. وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] : إِنَّ ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ , فَقَدْ وَافَقَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ هَذَا التَّأْوِيلَ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ.

٤٢٩٠ - كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ بِذَلِكَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُحَمَّدٍ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>