بَابُ الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِقَرَابَتِهِ، أَوْ لِقَرَابَةِ فُلَانٍ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ , لِقَرَابَةِ فُلَانٍ مَنْ هُمْ؟ الْقَرَابَةُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ: هُمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ , مِنْ فُلَانٍ , مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ , أَوْ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ , غَيْرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ فِي ذَلِكَ , بِمَنْ كَانَتْ قَرَابَتُهُ مِنْهُمْ , مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ , عَلَى مَنْ كَانَتْ قَرَابَتُهُ مِنْهُ , مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصِي لِقَرَابَتِهِ عَمٌّ , وَخَالٌ , فَقَرَابَةُ عَمِّهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ , كَقَرَابَةِ خَالِهِ مِنْهُ , مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ , فَلْيَبْدَأْ فِي ذَلِكَ , بِعَمِّهِ عَلَى خَالِهِ , فَيَجْعَلُ الْوَصِيَّةَ لَهُ. وَقَالَ زَفَرُ رَحِمَهُ اللهُ: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ , أَوْ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ , دُونَ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ. وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ , بَيْنَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ , ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ , وَبَيْنَ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ غَيْرَ مُحَرَّمٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى: الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ ; لِكُلٍّ مَنْ جَمَعَهُ وَفُلَانًا , أَبٌ وَاحِدٌ , مُنْذُ كَانَتِ الْهِجْرَةُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ , أَوْ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ , بَيْنَ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ. وَبَيْنَ مَنْ قَرُبَ , وَبَيْنَ مَنْ كَانَتْ رَحِمُهُ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ. وَلَمْ يُفَضِّلَا فِي ذَلِكَ , مَنْ كَانَتْ رَحِمُهُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ , عَلَى مَنْ كَانَتْ رَحِمُهُ , مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ , لِكُلٍّ مَنْ جَمَعَهُ وَفُلَانًا , أَبُوهُ الرَّابِعُ إِلَى مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ ; لِكُلٍّ مَنْ جَمَعَهُ وَفُلَانًا , أَبٌ وَاحِدٌ , فِي الْإِسْلَامِ , أَوْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , مِمَّنْ يَرْجِعُ بِآبَائِهِ , أَوْ بِأُمَّهَاتِهِ إِلَيْهِ , أَبًا غَيْرَ أَبٍ , أَوْ أُمًّا غَيْرَ أُمٍّ , إِلَى أَنْ تَلْقَاهُ , مِمَّا ثَبَتَتْ بِهِ الْمَوَارِيثُ , أَوْ تَقُومُ بِهِ الشَّهَادَاتُ. وَإِنَّمَا جَوَّزَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الْوَصِيَّةَ لِلْقَرَابَةِ , عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ , إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْقَرَابَةُ قَرَابَةً تُحْصَى وَتُعْرَفُ. فَإِنْ كَانَتْ لَا تُحْصَى وَلَا تُعْرَفُ , فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَا بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا لِفُقَرَائِهِمْ , فَتَكُونَ جَائِزَةً لِمَنْ رَأَى الْوَصِيُّ دَفْعَهَا إِلَيْهِ مِنْهُمْ. وَأَقَلُّ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْهُمْ , اثْنَانِ فَصَاعِدًا , فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ: إِنْ دَفَعَهَا إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْقَرَابَةِ مِنْهُمْ , هَذَا الِاخْتِلَافَ , وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ , لِنَسْتَخْرِجَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ هَذِهِ , قَوْلًا صَحِيحًا.