للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٤٧٣ - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَعْلَمُ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلَاثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «نَعَمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا مَعًا , فَقَدْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ إِذَا كَانَتْ فِي وَقْتِ سُنَّةٍ , وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا فِي غَيْرِ جِمَاعٍ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُطَلِّقُوا لِوَقْتٍ عَلَى صِفَةٍ , فَطَلَّقُوا عَلَى غَيْرِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ , لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُمْ. وَقَالُوا: أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فِي وَقْتٍ عَلَى صِفَةٍ , فَطَلَّقَهَا فِي غَيْرِهِ , أَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى شَرِيطَةٍ , فَطَلَّقَهَا عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الشَّرِيطَةِ , أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ , إِذْ كَانَ قَدْ خَالَفَ مَا أَمَرَ بِهِ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْعِبَادَ , فَإِذَا أَوْقَعُوهُ كَمَا أُمِرُوا بِهِ , وَقَعَ , وَإِذَا أَوْقَعُوهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ , لَمْ يَقَعْ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ , فَقَالُوا: الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْعِبَادَ مِنْ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ , فَهُوَ كَمَا ذَكَرْتُمْ , إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ طَاهِرًا , مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ , أَوْ كَانَتْ حَامِلًا , وَأُمِرُوا بِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ إِذَا أَرَادُوا إِيقَاعَهُنَّ , وَلَا يُوقِعُونَهُنَّ مَعًا. فَإِذَا خَالَفُوا ذَلِكَ , فَطَلَّقُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُطَلِّقُوا فِيهِ , وَأَوْقَعُوا مِنَ الطَّلَاقِ أَكْثَرَ مِمَّا أُمِرُوا بِإِيقَاعِهِ , لَزِمَهُمْ مَا أَوْقَعُوا مِنْ ذَلِكَ , وَهُمْ آثِمُونَ فِي تَعَدِّيهِمْ مَا أَمَرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَيْسَ ذَلِكَ كَالْوَكَالَاتِ , لِأَنَّ الْوُكَلَاءَ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِينَ , فَيَحِلُّونَ فِي أَفْعَالِهِمْ تِلْكَ مَحَلَّهُمْ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ كَمَا أُمِرُوا لَزِمَ وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَا أُمِرُوا بِهِ لَمْ يَلْزَمْ. وَالْعِبَادُ فِي طَلَاقِهِمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ لَا لِغَيْرِهِمْ , لَا لِرَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ , وَلَا يَحِلُّونَ فِي فِعْلِهِمْ ذَلِكَ مَحَلَّ غَيْرِهِمْ , فَيُرَادُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ إِصَابَةُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ الَّذِينَ يَحِلُّونَ فِي فِعْلِهِمْ ذَلِكَ مَحَلَّهُ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَزِمَهُمْ مَا فَعَلُوا , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ نُهُوا عَنْهُ , لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ مِمَّا قَدْ نَهَى اللهُ تَعَالَى الْعِبَادَ عَنْ فِعْلِهَا , أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ إِذَا فَعَلُوهَا أَحْكَامًا , مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنِ الظِّهَارِ , وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ , وَلَمْ يَمْنَعْ مَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ تَحْرُمَ بِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا , حَتَّى يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ. فَلَمَّا ⦗٥٦⦘ رَأَيْنَا الظِّهَارَ قَوْلًا مُنْكَرًا وَزُورًا , وَقَدْ لَزِمَتْ بِهِ حُرْمَةٌ , كَانَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ , هُوَ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ , وَالْحُرْمَةُ بِهِ وَاجِبَةٌ. وَقَدْ رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَّا سَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ طَلَاقِ عَبْدِ اللهِ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ , أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَتِهَا , وَتَوَاتَرَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ الْآثَارُ , وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ , مَنْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ. فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ , وَهُوَ وَقْتٌ لَا يَحِلُّ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِيهِ , كَانَ كَذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا , فَأَوْقَعَ كُلًّا فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ , وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَهُ عَلَى خِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ. فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , مَا لَوِ اكْتَفَيْنَا بِهِ كَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ , قَدْ كَانَتْ لَكُمْ فِي الطَّلَاقِ أَنَاةٌ وَإِنَّهُ مَنْ تَعَجَّلَ أَنَاةَ اللهِ فِي الطَّلَاقِ أَلْزَمْنَاهُ إِيَّاهُ.

٤٤٧٤ - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ , ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ح

٤٤٧٥ - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ طَاوُسٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , مِثْلَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ , غَيْرَ أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا أَبَا الصَّهْبَاءِ وَلَا سُؤَالَهُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , وَإِنَّمَا ذَكَرَا مِثْلَ جَوَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا الَّذِي فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ , وَذَكَرَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ , مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ. فَخَاطَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ بِذَلِكَ النَّاسَ جَمِيعًا , وَفِيهِمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ , الَّذِينَ قَدْ عَلِمُوا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ , فِي ذَلِكَ , فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ , وَلَمْ يَدْفَعْهُ دَافِعٌ , فَكَانَ ذَلِكَ أَكْبَرَ الْحُجَّةِ فِي نَسْخِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِعْلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا فِعْلًا يَجِبُ بِهِ الْحُجَّةُ , كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا إِجْمَاعُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ إِجْمَاعًا يَجِبُ بِهِ الْحُجَّةُ. وَكَمَا كَانَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى النَّقْلِ بَرِيئًا مِنَ الْوَهْمِ وَالزَّلَلِ , كَانَ كَذَلِكَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى الرَّأْيِ بَرِيئًا مِنَ الْوَهْمِ وَالزَّلَلِ. وَقَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ قَدْ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعَانِي , فَجَعَلَهَا أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ بَعْدِهِ , عَلَى خِلَافِ تِلْكَ الْمَعَانِي , لَمَّا رَأَوْا فِيهِ مِمَّا قَدْ خَفِيَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ , فَكَانَ ذَلِكَ حُجَّةً نَاسِخًا , لِمَا تَقَدَّمَهُ , مِنْ ذَلِكَ تَدْوِينُ الدَّوَاوِينِ وَالْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ , وَقَدْ كُنَّ يُبَعْنَ قَبْلَ ذَلِكَ. ⦗٥٧⦘ وَالتَّوْقِيتُ فِي حَدِّ الْخَمْرِ , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَوْقِيتٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ مَا عَمِلُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَوَقَفْنَا عَلَيْهِ , لَا يَجُوزُ لَنَا خِلَافُهُ إِلَى مَا قَدْ رَأَيْنَاهُ , مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ فِعْلُهُمْ لَهُ كَانَ كَذَلِكَ مَا وَقَفُونَا عَلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ , الْمُوقَعِ مَعًا , أَنَّهُ يَلْزَمُ , لَا يَجُوزُ لَنَا خِلَافُهُ إِلَى غَيْرِهِ , مِمَّا قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. ثُمَّ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , قَدْ كَانَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يُفْتِي: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا مَعًا , أَنَّ طَلَاقَهُ قَدْ لَزِمَهُ , وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>