٤٨٢١ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ , قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ , قَالَ: ثنا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ , عَنْ عِكْرِمَةَ , " عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ , قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ , إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَتَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا لِهَذِهِ؟ قَالُوا: نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِهَا مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلِتُهْدِ بَدَنَةً " فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِالْهَدْيِ لِمَكَانِ رُكُوبِهَا. فَتَصْحِيحُ هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا أَنْ يَرْكَبَ إِنْ أَحَبَّ ذَلِكَ وَيُهْدِيَ هَدْيًا لِتَرْكِهِ الْمَشْيَ , وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِحِنْثِهِ فِيهَا. وَبِهَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ , يَقُولُونَ. وَأَمَّا وَجْهُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ , فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَيْسَ الْمَشْيُ فِيمَا يُوجِبُهُ نَذْرٌ لِأَنَّ فِيهِ تَعَبًا لِلْأَبْدَانِ وَلَيْسَ الْمَاشِي فِي حَالِ مَشْيِهِ فِي حُرْمَةِ إِحْرَامٍ , فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ الْمَشْيَ وَلَا بَدَلًا مِنَ الْمَشْيِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَرَأَيْنَا الْحَجَّ فِيهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَبِجَمْعٍ. وَكَانَ الطَّوَافُ مِنْهُ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ. وَمِنْهُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ , وَهُوَ طَوَافُ الصَّدْرِ. وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجِّ قَدْ أُرِيدَ أَنْ يَفْعَلَهُ الرَّجُلُ مَاشِيًا وَكَانَ مَنْ فَعَلَهُ رَاكِبًا مُقَصِّرًا وَجُعِلَ عَلَيْهِ الدَّمُ. هَذَا إِذَا كَانَ فَعَلَهُ لَا مِنْ عِلَّةٍ. وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ مِنْ عِلَّةٍ , فَإِنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ دَمٌ وَهَذَا هُوَ النَّظَرُ - عِنْدَنَا - لِأَنَّ الْعِلَلَ إِنَّمَا تُسْقِطُ الْآثَامَ فِي انْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ , وَلَا تُسْقِطُ الْكَفَّارَاتِ. أَلَا تَرَى أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: «وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» وَكَانَ ⦗١٣٢⦘ حَلْقُ الرَّأْسِ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ فِي إِحْرَامِهِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ فَإِنْ حَلَقَهُ فَعَلَيْهِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ , وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى حَلْقِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. فَكَانَ الْعُذْرُ يَسْقُطُ بِهِ الْآثَامُ , وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْكَفَّارَاتُ فَكَانَ يَجِبُ فِي النَّظَرِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ إِذَا كَانَ مَنْ طَافَهُ رَاكِبًا لِلزِّيَارَةِ لَا مِنْ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ طَافَهُ مِنْ عُذْرٍ رَاكِبًا كَذَلِكَ أَيْضًا. فَهَذَا حُكْمُ النَّظَرِ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ زُفَرَ. وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا , لَمْ يَجْعَلُوا عَلَى مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ رَاكِبًا مِنْ عُذْرٍ شَيْئًا. فَلَمَّا ثَبَتَ بِالنَّظَرِ مَا ذَكَرْنَا كَانَ كَذَلِكَ الْمَشْيُ لِمَا رَأَيْنَاهُ , قَدْ يَجِبُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِحْرَامِ إِذْ كَانَ مِنْ أَسْبَابِهِ كَمَا يَجِبُ فِي الْإِحْرَامِ , كَانَ كَذَلِكَ الْمَشْيُ الَّذِي قَبْلَ الْإِحْرَامِ مِنْ أَسْبَابِ الْإِحْرَامِ , حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَشْيِ الْوَاجِبِ فِي الْإِحْرَامِ. فَكَمَا كَانَ عَلَى تَارِكِ الْمَشْيِ الْوَاجِبِ فِي الْإِحْرَامِ دَمٌ كَانَ عَلَى تَارِكِ هَذَا الْمَشْيِ الْوَاجِبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ دَمٌ أَيْضًا وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ قُوَّتِهِ عَلَى الْمَشْيِ وَفِي حَالِ عَجْزِهِ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا , وَذَلِكَ دَلِيلٌ لَنَا صَحِيحٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ حُكْمِ الطَّوَافِ بِالْحَمْلِ فِي حَالِ الْقُوَّةِ عَلَيْهِ وَفِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَكَانَ يَنْبَغِي إِذَا رَكِبَ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى مَا لَمْ يَأْتِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَاشِيًا فَيَكُونُ كَمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا فَصَلَّاهُمَا قَاعِدًا. فَمِنَ الْحُجَّةِ عِنْدَنَا عَلَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّا رَأَيْنَا الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الَّتِي عَلَيْنَا أَنْ نُصَلِّيَهَا قِيَامًا وَلَوْ صَلَّيْنَاهَا قُعُودًا لَا نُعْذَرُ وَجَبَ عَلَيْنَا إِعَادَتُهَا وَكُنَّا فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يُصَلِّهَا. وَكَانَ مَنْ حَجَّ مِنَّا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْنَا الْمَشْيُ فِي الطَّوَافِ لَهَا , فَطَافَ ذَلِكَ الطَّوَافَ رَاكِبًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ لَمْ يُجْعَلْ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَطُفْ وَيُؤْمَرْ بِالْعَوْدِ بَلْ قَدْ جُعِلَ فِي حُكْمِ مَنْ طَافَ وَأَجْزَأَهُ طَوَافُهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ جُعِلَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَقْصِيرِهِ. فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ الْوَاجِبَةُ بِالنَّذْرِ وَالْحَجُّ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ , هُمَا مَقِيسَانِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبَيْنِ بِإِيجَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ بِإِيجَابِ اللهِ يَكُونُ الْمُقَصِّرُ فِيهِ فِي حُكْمِ تَارِكِهِ كَانَ كَذَلِكَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ بِإِيجَابِهِ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَصَّرَ فِيهِ , يَكُونُ بِتَقْصِيرِهِ فِيهِ فِي حُكْمِ تَارِكِهِ , فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهُ. وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ بِإِيجَابِ اللهِ عَلَيْهِ مُقَصِّرٌ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ التَّقْصِيرِ فِي حُكْمِ تَارِكِهِ كَانَ كَذَلِكَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ بِإِيجَابِهِ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَصَّرَ فِيهِ , فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ التَّقْصِيرِ فِي حُكْمِ تَارِكِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ وَلَكِنَّهُ فِي حُكْمِ فَاعِلِهِ وَعَلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي أَشْكَالِهِ مِنَ الدِّمَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute