٥٤٥٠ - حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَحْيَى , قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ , قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ⦗٣٢٠⦘ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَى لِسَفْرَةٍ وَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ , فَصَامَ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْكَدِيدِ أَفْطَرَ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , فَسَمِعَتْ سُلَيْمٌ وَمُزَيْنَةُ , فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ , وَقَدْ عَمِيَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى قُرَيْشٍ , فَلَا يَأْتِيهِمْ خَبَرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ , وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ , وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ , يَنْظُرُونَ هَلْ يَجِدُونَ خَيْرًا , أَوْ يَسْمَعُونَهُ , فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ , قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قُلْتُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ , لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ , إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ , قَالَ: فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْضَاءِ , فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا حَتَّى دَخَلْتُ الْأَرَاكَ , فَلَقِيَ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ , أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ , أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِيهِمْ , يُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجُوا إِلَيْهِ , قَالَ: فَإِنِّي لَأُشِيرُ عَلَيْهِ , وَأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ , إِذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلٍ , وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ , وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ نِيرَانًا قَطُّ وَلَا عَسْكَرًا , قَالَ بُدَيْلٌ: هَذِهِ , وَاللهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ , فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ وَاللهِ , أَذَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذِهِ نِيرَانَهُمْ , فَعَرَفْتُ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ , فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ , قَالَ: فَعَرَفَ صَوْتِي فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: مَا لَكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ قُلْتُ: وَيْلَكَ , هَذَا , وَاللهِ رَسُولُ اللهِ فِي النَّاسِ , وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاللهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ , إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ , قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ , فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قَالَ قُلْتُ: لَا وَاللهِ إِلَّا أَنْ تَرْكَبَ فِي عَجُزِ هَذِهِ الدَّابَّةِ فَآتِيَ بِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ وَاللهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ , لِيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ , قَالَ: فَرَكِبَ فِي عَجُزِ الْبَغْلَةِ , وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ , قَالَ: وَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارٍ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا نَظَرُوا , قَالُوا: عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إِلَيَّ , فَلَمَّا رَآهُ عَلَى عَجُزِ الدَّابَّةِ , عَرَفَهُ وَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللهِ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ , وَخَرَجَ يَشْتَدُّ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَضْتُ الْبَغْلَةَ فَسَبَقْتُهُ , كَمَا تَسْبِقُ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ , ثُمَّ اقْتَحَمْتُ عَنِ الْبَغْلَةِ وَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَدَخَلَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , هَذَا أَبُو سُفْيَانَ , قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِلَا عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ , فَدَعْنِي فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ , قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ , ⦗٣٢١⦘ قَالَ: ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا يُنَاجِيهِ رَجُلٌ دُونِي , قَالَ: فَلَمَّا أَكْثَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي شَأْنِهِ , فَقُلْتُ: مَهْلًا يَا عُمَرُ وَاللهِ لَوْ كَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْتَ هَذَا , وَلَكِنْ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ , قَالَ فَقَالَ: مَهْلًا يَا عَبَّاسُ لَإِسْلَامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ , كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ وَمَا لِي إِلَّا أَنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَكَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِسْلَامِ الْخَطَّابِ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذْهَبْ بِهِ إِلَى رَحْلِكَ فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأْتِنَا بِهِ , قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا رَآهُ قَالَ وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ , أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ , قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَمَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ , أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كَادَ يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى شَيْئًا بَعْدُ , وَقَالَ: وَيْلَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ , قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ أَمَّا وَاللهِ هَذِهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا حَتَّى الْآنَ شَيْئًا , قَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قُلْتُ: وَيْلَكَ أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُكَ , قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَأَسْلَمَ , قَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا , قَالَ: «نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» , فَلَمَّا ذَهَبْتُ لِأَنْصَرِفَ قَالَ يَا عَبَّاسُ احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ حَطِيمِ الْجُنْدِ حَتَّى يَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا , قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا بِهَا فَكُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: بَنُو سُلَيْمٍ قَالَ: يَقُولُ: مَا لِي وَلِبَنِي سُلَيْمٍ ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ فَيَقُولُ: مَنْ هَذِهِ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ فَقَالَ: مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ , حَتَّى نَفِدَتِ الْقَبَائِلُ لَا تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ إِلَّا سَأَلَنِي عَنْهَا فَأُخْبِرُهُ إِلَّا قَالَ: مَا لِي وَلِبَنِي فُلَانٍ , حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَضْرَاءِ كَتِيبَةٍ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ , وَالْأَنْصَارُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ فِي الْحَدِيدِ , فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ؟ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ , وَالْأَنْصَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ , فَقَالَ: مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَاللهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْغَدَاةَ عَظِيمًا , ⦗٣٢٢⦘ قَالَ: قُلْتُ: وَيْلَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ إِنَّهَا النُّبُوَّةُ قَالَ: فَنَعَمْ , قَالَ: قُلْتُ الْتَجِئْ إِلَى قَوْمِكَ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ , حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ , فَقَامَتْ إِلَيْهِ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَأَخَذَتْ شَارِبَهُ فَقَالَتِ: اقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدَّسِمَ فَبِئْسَ طَلِيعَةُ قَوْمٍ , قَالَ: وَيْلَكُمْ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ , قَالُوا: قَاتَلَكَ اللهُ وَمَا يُغْنِي غَنَاءَ دَارِكَ قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ مَا فِيهِ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى فَتْحِ مَكَّةَ عَنْوَةً وَيَنْفِي أَنْ يَكُونَ صُلْحًا وَيُثْبِتُ أَنَّ الْهُدْنَةَ الَّتِي كَانَتْ تَقَدَّمَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتِ انْقَطَعَتْ وَذَهَبَتْ قَبْلَ وُرُودِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ , أَلَا يَرَى إِلَى قَوْلِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاللهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ , أَفَتَرَى الْعَبَّاسَ , عَلَى فَضْلِ رَأْيِهِ وَعَقْلِهِ يَتَوَهَّمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَرَّضُ قُرَيْشًا وَهُمْ مِنْهُ فِي أَمَانٍ وَصُلْحٍ وَهُدْنَةٍ؟ هَذَا مِنَ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ وَلَا يَنْبَغِي لِذِي لُبٍّ أَوْ لِذِي عَقْلٍ أَوْ لِذِي دِينٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ , ثُمَّ هَذَا الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَدْ خَاطَبَ أَبَا سُفْيَانَ بِذَلِكَ فَقَالَ: وَاللهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقْتُلَنَّكَ وَاللهِ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَنْوَةً , فَلَا يَدْفَعُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ وَلَا يَقُولُ لَهُ: وَمَا خَوْفِي وَخَوْفِ قُرَيْشٍ مِنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَنَحْنُ فِي أَمَانٍ مِنْهُ؟ , إِنَّمَا يَقْصِدُ بِدُخُولِهِ أَنْ يَنْتَصِفَ خُزَاعَةَ مِنْ بَنِي نُفَاثَةَ دُونَ قُرَيْشٍ وَسَائِرِ أَهْلِ مَكَّةَ , وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: وَلِمَ يَضْرِبُ عُنُقِي؟ , إِذْ قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَاللهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ , وَأَنَا فِي أَمَانٍ مِنْهُ , ثُمَّ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ , يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِلَا عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ فَدَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ , وَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إِذْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ , عِنْدَهُ , لَيْسَ فِي أَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي صُلْحٍ مِنْهُ , ثُمَّ لَمْ يُحَاجَّ أَبُو سُفْيَانَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَلَا حَاجَّهُ عَنْهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَلْ قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ , ⦗٣٢٣⦘ فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ وَلَا عَلَى الْعَبَّاسِ مَا كَانَ مِنْهُمَا مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا , فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْلَا جِوَارُ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذًا لَمَا مَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِيمَا أَرَادَ مِنْ قَتْلِ أَبِي سُفْيَانَ , فَأَيُّ خُرُوجٍ مِنَ الصُّلْحِ مُنْعَدِمٍ؟ وَأَيُّ نَقْضٍ لَهُ يَكُونُ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا؟ ثُمَّ أَبُو سُفْيَانَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ بِمَا جَعَلَهُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ , وَلَمْ يَقُلْ لَهُ قُرَيْشٌ وَمَا حَاجَتُنَا إِلَى دُخُولِنَا دَارَكَ وَإِلَى إِغْلَاقِنَا أَبْوَابِنَا وَنَحْنُ فِي أَمَانٍ قَدْ أَغْنَانَا عَنْ طَلَبِ الْأَمَانِ بِغَيْرِهِ , وَلَكِنَّهُمْ عَرَفُوا خُرُوجَهُمْ مِنَ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ وَانْتِقَاضَ الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمْ عِنْدَمَا خُوطِبُوا بِمَا خُوطِبُوا بِهِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ غَيْرُ آمَنِينَ إِلَّا أَنْ يَفْعَلُوا مَا جَعَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ آمَنِينَ أَنْ يَفْعَلُوهُ مِنْ دُخُولِهِمْ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ أَوْ مِنْ إِغْلَاقِهِمْ أَبْوَابَهُمْ , ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ لَا دَارَ أَمَانٍ