٥٦٠٤ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ فِي الْوَسْقِ وَالْوَسْقَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ , وَقَالَ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَقْنَاءٍ قِنْوٌ يُوضَعُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَسَاكِينِ
٥٦٠٥ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: ثنا الْوَهْبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ , غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ «الْوَسْقِ وَالْوَسْقَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ» وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ «فِي كُلِّ عَشَرَةٍ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاتَرَتْ فِي الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا وَقَبِلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا , وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي صِحَّةِ مَجِيئِهَا , وَتَنَازَعُوا فِي تَأْوِيلِهَا. فَقَالَ قَوْمٌ: الْعَرَايَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ النَّخْلَةُ وَالنَّخْلَتَانِ , فِي وَسَطِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ , لِرَجُلٍ آخَرَ. قَالُوا: وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ , إِذَا كَانَ وَقْتُ الثِّمَارِ , خَرَجُوا بِأَهْلِيهِمْ إِلَى حَوَائِطِهِمْ , فَيَجِيءُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ بِأَهْلِهِ , فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ. فَرَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ خَرْصَ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ , تَمْرًا , لِيَنْصَرِفَ هُوَ وَأَهْلُهُ عَنْهُ , وَيَخْلُصَ تَمْرُ الْحَائِطِ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ , فَيَكُونُ فِيهِ هُوَ وَأَهْلُهُ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ، فِيمَا سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ , يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ , ⦗٣١⦘ عَنْ أَبِي يُوسُفَ , عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ، مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنْ نَخْلِهِ فَلَا يُسْلِمُ ذَلِكَ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ , فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ذَلِكَ , وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ , خَرْصَهُ تَمْرًا. وَكَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهَ وَأَوْلَى , مِمَّا قَالَ مَالِكٌ , لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ الْعَطِيَّةُ. أَلَا يَرَى إِلَى الَّذِي مَدَحَ الْأَنْصَارَ كَيْفَ مَدَحَهُمْ , إِذْ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
لَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلَا رُجَبِيَّةٍ ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ
أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْرُونَهَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ. فَلَوْ كَانَتِ الْعَرِيَّةُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ , إِذًا لَمَا كَانُوا مَمْدُوحِينَ بِهَا , إِذْ كَانُوا يُعْطَوْنَ كَمَا يُعْطَوْنَ , وَلَكِنِ الْعَرِيَّةُ بِخِلَافِ مَا قَالَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ ذَكَرْتَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ , أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ , وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» , فَصَارَتِ الْعَرَايَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا هِيَ بَيْعُ ثَمَرٍ بِتَمْرٍ , قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ , إِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ الرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا , مَعَ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ , وَقَدْ يُقْرَنُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ ذَكَرَ التَّوْقِيفَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ , وَفِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ , مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ , كَحُكْمِهِ. قِيلَ لَهُ: مَا فِيهِ مَا يَنْفِي شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتَ , وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَوْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ الْعَرِيَّةُ إِلَّا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ , أَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ «. فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ إِنَّمَا فِيهِ» أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ , أَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ " , فَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِيهِ لِقَوْمٍ فِي عَرِيَّةٍ لَهُمْ هَذَا مِقْدَارُهَا. فَنَقَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَلِكَ , وَأَخْبَرَ بِالرُّخْصَةِ فِيمَا كَانَتْ , وَلَا يَنْفِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ الرُّخْصَةُ جَارِيَةً فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَفِي حَدِيثِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا «إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» فَصَارَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرٍ بِتَمْرٍ. قِيلَ لَهُ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِذَلِكَ إِلَى الْمُعْرَى لَهُ فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا , بَدَلًا مِنْ تَمْرٍ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ , فِي مَعْنَى الْبَائِعِ , وَذَلِكَ لَهُ حَلَالٌ , فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ , بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» فَقَدْ ذَكَرَ لِلْعَرِيَّةِ أَهْلًا , وَجَعَلَهُمْ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا , وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا وَمَلَكَهَا الَّذِينَ عَادَتْ إِلَيْهِمْ بِالْبَدَلِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُمْ , فَذَلِكَ يُثْبِتُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآثَارِ , مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الرُّخْصَةِ فِيهَا مَعْنًى. ⦗٣٢⦘ قِيلَ لَهُ: بَلْ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ , وَلَكِنْ قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ مَا هُوَ. فَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: مَعْنَى الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ , أَنَّ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا , لَا يَمْلِكُ بِهَا إِبْدَالًا , إِلَّا مَنْ كَانَ مَالِكَهَا , لَا يَبِيعُ رَجُلٌ مَا لَا يَمْلِكُ بِبَدَلِهِ , فَيَمْلِكُ ذَلِكَ الْبَدَلَ. وَإِنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْبَدَلَ إِذَا مَلَكَهُ , بِصِحَّةِ مِلْكِهِ لِلشَّيْءِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ. قَالَ: فَالْمُعْرَى , لَمْ يَكُنْ مَلَكَ الْعَرِيَّةَ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا , وَالتَّمْرُ الَّذِي يَأْخُذُهُ بَدَلًا مِنْهَا , قَدْ جُعِلَ طَيِّبًا لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ رُطَبٍ لَمْ يَكُنْ مَلَكَهُ. قَالَ: فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدَ بِالرُّخْصَةِ إِلَيْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ , الرُّخْصَةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَعْرَى الرَّجُلَ الشَّيْءَ مِنْ ثَمَرِهِ , وَقَدْ وَعَدَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ لِيَمْلِكَهُ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ بِقَبْضِهِ إِيَّاهُ , وَعَلَى الرَّجُلِ فِي دِينِهِ أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْخُوذٍ بِهِ فِي الْحُكْمِ , فَرَخَّصَ لِلْمُعْرِي أَنْ يَحْتَبِسَ مَا أَعْرَى , بِأَنْ يُعْطِيَ الْمُعْرَى خَرْصَهُ تَمْرًا , بَدَلًا مِنْهُ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ آثِمًا , وَلَا فِي حُكْمِ مَنِ اخْتَلَفَ مَوْعِدًا , فَهَذَا مَوْضِعُ الرُّخْصَةِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ , أَوْلَى مِمَّا حُمِلَ عَلَيْهِ وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ , لِأَنَّ الْآثَارَ قَدْ جَاءَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاتِرَةً بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ. فَمِنْهَا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا
وَمِنْهَا مَا قَدْ