٥ - حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّخَعِيُّ، عَنْ طَرِيفٍ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، أَوْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرِنَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى غَدِيرٍ وَجِيفَةٍ، فَكَفَفْنَا وَكَفَّ النَّاسُ، حَتَّى أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ لَا تَسْتَقُونَ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ , هَذِهِ الْجِيفَةُ. فَقَالَ: «اسْتَقُوا , فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. فَاسْتَقَيْنَا وَارْتَوَيْنَا» . فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذِهِ الْآثَارِ , فَقَالُوا: لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ شَيْءٌ وَقَعَ فِيهِ , إِلَّا أَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَهُ , أَوْ طَعْمَهُ , أَوْ رِيحَهُ , فَأَيُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ , فَقَدْ نَجِسَ الْمَاءُ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، فَقَالُوا: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ فَلَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا مَا كَانَتْ، فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَتْ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إِلَى الْبَسَاتِينِ، فَكَانَ الْمَاءُ لَا يَسْتَقِرُّ فِيهَا، فَكَانَ حُكْمُ مَائِهَا كَحُكْمِ مَاءِ الْأَنْهَارِ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَقَعَتْ فِي مَائِهِ نَجَاسَةٌ، فَلَا يَنْجُسُ مَاؤُهُ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ أَوْ يُعْلَمَ أَنَّهَا فِي الْمَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهَا , فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ كَانَ نَجِسًا , وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَ طَاهِرًا.
٦ - وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ , حَدَّثَنِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ. وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ فَغَلَبَتْ عَلَى طَعْمِ مَائِهَا أَوْ رِيحِهِ أَوْ لَوْنِهِ , أَنَّ مَاءَهَا قَدْ فَسَدَ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يُلْقَى فِيهَا الْكِلَابُ وَالْمَحَائِضُ. فَقَالَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» . وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ بِئْرًا لَوْ سَقَطَ فِيهَا مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ مُحَالًا أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ رِيحُ مَائِهَا وَطَعْمُهُ , هَذَا مِمَّا يُعْقَلُ وَيُعْلَمُ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ أَبَاحَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءَهَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ دَاخَلَ الْمَاءَ التَّغْيِيرُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ اللَّاتِي ذَكَرْنَا ; اسْتَحَالَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَائِهَا وَجَوَابُهُ إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا أَجَابَهُمْ , كَانَ وَالنَّجَاسَةُ فِي الْبِئْرِ. ⦗١٣⦘ وَلَكِنَّهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، كَانَ بَعْدَ أَنْ أُخْرِجَتِ النَّجَاسَةُ مِنَ الْبِئْرِ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ: هَلْ تَطْهُرُ بِإِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ مِنْهَا فَلَا يَنْجُسُ مَاؤُهَا الَّذِي يَطْرَأُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَذَلِكَ مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ لِأَنَّ حِيطَانَ الْبِئْرِ لَمْ تُغْسَلْ وَطِينُهَا لَمْ يُخْرَجْ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ» . يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهَا بَعْدَ إِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ مِنْهَا لَا أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إِذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ وَقَدْ رَأَيْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute