١٤١٧ - حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا سُحَيْمٌ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ» ثَلَاثًا وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا» فَهَذَا أَيْضًا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوفِهِ عَلَى دُعَاءٍ بِعَيْنِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَمَّا الرُّكُوعُ , فَلَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى تَعْظِيمِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَمَّا السُّجُودُ , فَيَجْتَهِدُ فِيهِ فِي الدُّعَاءِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» نَاسِخًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَفْعَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِالتَّعْظِيمِ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٧٤] وَيُجْهِدُهُمْ بِالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ بِمَا أَحَبُّوا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١] فَلَمَّا نَزَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَنْتَهُوا إِلَيْهِ فِي سُجُودِهِمْ ⦗٢٣٦⦘ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ , وَلَا يَزِيدُونَ عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِكَ نَاسِخًا لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ , كَمَا كَانَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ فِي الرُّكُوعِ عِنْدَ نُزُولِ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٧٤] نَاسِخًا لِمَا قَدْ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُرْبِ وَفَاتِهِ , لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ. قِيلَ لَهُ: فَهَلْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَقِبِهَا أَوْ أَنَّ تِلْكَ الْمِرْضَةَ , هِيَ مِرْضَتُهُ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا؟ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا شَيْءٌ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هِيَ الصَّلَاةَ الَّتِي تُوُفِّيَ بِعَقِبِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةً غَيْرَهَا قَدْ صَحَّ بَعْدَهَا. فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ هِيَ الصَّلَاةَ الَّتِي تُوُفِّيَ بَعْدَهَا , فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١] أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ. وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ مُتَقَدِّمَةً لِذَلِكَ , فَهِيَ أَحْرَى أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا مَا ذَكَرْنَا. فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ تَصْحِيحِ مَعَانِي الْآثَارِ. وَأَمَّا وَجْهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا مَوَاضِعَ فِي الصَّلَاةِ فِيهَا ذِكْرٌ. فَمِنْ ذَلِكَ التَّكْبِيرُ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ , وَمِنْ ذَلِكَ التَّكْبِيرُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ مِنَ الْقُعُودِ. فَكَانَ ذَلِكَ التَّكْبِيرُ تَكْبِيرًا قَدْ وُقِفَ الْعِبَادُ عَلَيْهِ وَعُلِّمُوهُ , وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ أَنْ يُجَاوِزُوهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَشْهَدُونَ بِهِ فِي الْقُعُودِ , فَقَدْ عُلِّمُوهُ , وَوُقِفُوا عَلَيْهِ , وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا مَكَانَهُ بِذِكْرٍ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: مَكَانَ قَوْلِهِ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَعْظَمُ أَوِ اللهُ أَجَلُّ كَانَ فِي ذَلِكَ مُسِيئًا. وَلَوْ تَشَهَّدَ رَجُلٌ بِلَفْظٍ يُخَالِفُ لَفْظَ التَّشَهُّدِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ , كَانَ فِي ذَلِكَ مُسِيئًا , وَكَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ قَدْ أُبِيحَ لَهُ مِنَ الدُّعَاءِ مَا أَحَبَّ فَقِيلَ لَهُ فِيمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنَ الدُّعَاءِ مَا أَحَبَّ» فَكَانَ قَدْ وُقِفَ فِي كُلِّ ذِكْرٍ عَلَى ذِكْرٍ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُجْعَلْ مُجَاوَزَتُهُ إِلَى مَا أَحَبَّ إِلَّا مَا قَدْ وُقِفَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ , وَإِنِ اسْتَوَى ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى ⦗٢٣٧⦘ فَلَمَّا كَانَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَدْ أُجْمِعَ عَلَى أَنَّ فِيهِمَا ذِكْرًا , وَلَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ فِيهِمَا كُلُّ الذِّكْرِ , كَانَ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الذِّكْرُ كَسَائِرِ الذِّكْرِ فِي صَلَاتِهِ , مِنْ تَكْبِيرِهِ وَتَشَهُّدِهِ , وَقَوْلِهِ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» وَقَوْلِ الْمَأْمُومِ «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَيَكُونُ ذَلِكَ قَوْلًا خَاصًّا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مُجَاوَزَتُهُ إِلَى غَيْرِهِ , كَمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ فِي سَائِرِ الذِّكْرِ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ قَوْلُ الَّذِينَ وَقَّتُوا فِي ذَلِكَ ذِكْرًا خَاصًّا وَهُمُ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ , عَلَى مَا فُصِّلَ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيْنَ جُعِلَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُولَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ مَا أَحَبَّ؟ . قِيلَ لَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute