وإذا قال صاحب الوديعة للمودع "لا تسلمها إلى زوجتك" فسلمها إليها لم يضمن. وإن قال له "احفظها في هذا البيت" فحفظها في بيتٍ آخر من الدار لم يضمن، وإن حفظها في دارٍ أخرى ضمن.
[كتاب العارية.]
- العارية جائزةٌ
ــ
(وإذا قال صاحب الوديعة للمودع لا تسلمها إلى زوجتك فسلمها) المودع (إليها) أي إلى زوجته وهلكت (لم يضمن) ؛ لأنه لا يجد بداً من ذلك، فإنه إذا خرج كان البيت وما فيه مسلما إليها، فلا يمكنه إقامة العمل مع مراعاة هذا الشرط وإن كان مفيداً، لكن في شرح الإسبيجاني: وهذا إذا كان لا يجد بدا من ذلك، لأن الشرط - وإن كان مفيداً - لكن العمل به غير ممكن، أما إذا كان يجد بداً منه يلزمه مراعاة شرطه بقدر الإمكان، لتمكنه من حفظها على الوجه المأمور به. فإذا خالف ضمن، اهـ ملخصاً (وإن قال له: احفظها في هذا البيت) لبيت معين من الدار (فحفظها في بيت آخر من) تلك (الدار) وهلكت (لم يضمن) ، لأن الشرط غير مفيد، فإن البيتين في دار واحدةٍ لا يتفاوتان في الحرز (وإن حفظها في) بيت من (دار أخرى ضمن) ، لأن الدارين يتفاوتان في الحرز، فكان مفيداً، فيصح التقييد، ولو كان التفاوت بين البيتين ظاهراً - بأن كانت الدار التي فيها البيتان عظيمة، وللبيت الذي نهاه عن الحفظ فيه عورة ظاهرة - صح الشرط. هداية.
كتاب العارية
مناسبتها للوديعة ظاهرة، من حيث اشتراكهما في الأمانة.
(العارية) بالتشديد، وتخفف (جائزة) ، لأنها نوع إحسان، وقد استعار النبي صلى الله عليه وسلم دروعا من صفوان. (١) هداية.
(١) (روى أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار مائة درع من صفوان بن أمية يوم الفتح وأن صفوان قال له: أغصب يا محمد؟ فقال: (لا، بل عارية مضمونة) . (وروى أن أهل المدينة سمعوا ضجة فظنوا عدوا أغار عليهم؛ فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا من أبي طلحة فركبها عريا وخرج يعدو به إلى الصحراء فلم يجد شيئاً، ثم رجع فوجد القوم خارجين، فقال لهم: (لن تراعوا) ثم قال عن فرس أبي طلحة: (إن وجدناه لبحرا) ، ومن العلماء من يستدل على جواز العارية بقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} ومنهم من يستدل عليها بقوله جل شأنه: {ويمنعون الماعون} فقد فسره جمهرة المفسرين بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض كالدلو والفأس والإبرة. ثم اعلم أنه قد تكتنف العارية ظروف تجعلها مكروهة أو حراما أو واجبة؛ فلو أن إنسانا لا ثوب له وقد اشتد الحر والبرد حتى خيف عليه الهلاك فإنه يجب على من يجد ثوبا فاضلا عن حاجاته الأصلية أن يعيره هذا الثوب فيدفع به الهلاك عن نفسه. وتحرم إعارة جارية وضيئة لأجنبي، وتكره إعارة العبد المسلم للذمي لما فيه من امتهان المسلم، ونحو هذا