قال أبو الحسن عن عامر بن الأسود قال: قيل لأبي السفاح بكير بن معدان أوص، قال: إنا الكرام يوم طخفة. قالوا: إنك في الموت فقل خيراً وتشهد. قال: غلامي إذا مات فهو حر.
قال أبو الحسن: قال دحيم وهو بالموت: الرجز
قد وردت نفسي وما كادت ترد ... قد كنت ذا أزرٍ شديد المعتمد
وكنت ذا شغبٍ على الخصم الألدّ ... قد جاء قرنٌ ليس بالقرن يردّ
ثم هلك.
قال أبو الحسن: قيل لرجل وهو مريض: قل لا إله إلا الله. ب: فقال: لم يأن لذلك بعد.
وقيل لهرم بن حيان: أوص. فقال: صدقتني في الحياة نفسي، ما لي مال أوصيكم به، ولكني أوصيكم بخواتيم سورة البقرة.
وأخبر أبو الحسن عن شعبة بن عبد الله الأنصاري قال: عزى إياس بن معاوية رجلاً عن ابنه فقال: لا ينقص الله عددك، ولا يزل نعمةً عنك، وعجل الله لك من الخلف خيراً مما رزئت به وعزى آخر رجلاً فقال: إن فيما عوضك الله من الأجر خيراً مما فجعك به من الرزية.
وقيل لأعرابية: ما أحسن عزاءك عن ابنك! فقالت: إن فقدانيه أمنني من المصائب بعده.
وقال: أخبرني سعيد عن رجل منهم قال: خرجت إلى اليمن فنزلت على امرأة منهم، فرأيت مالاً كبيراً ورقيقاً وولداً وحالاً حسنة، فأقمت حتى قضيت حاجتي. فأردت الرحيل فقلت لها: ألك حاجة؟ قالت: نعم، كلما نزلت هذه البلاد فانزل علي، فغبرت أعواماً، ثم أتيت اليمن، فأتيت منزل المرأة فإذا حالتها قد تغيرت، وذهب رقيقها، ومات ولدها، وباعت منزلها، وإذا هي مسرورة بحالها، ضاحكة. فقلت: أتضحكين مع ما قد نزل بك؟ قالت: يا عبد الله، كنت في حال النعمة ولي أحزان كثيرة، فعلمت أن ذلك من قلة الشكر، فأنا اليوم في هذه الحال أضحك شكراً لله على ما أعطاني من الصبر. فقلت لعبد الله بن عمر: ما رأيت منها؟ فقال: ما كان صبر أيوب النبي عليه السلام إلى هذه بشيء.
وقال سفيان: شكا الربيع بن أبي راشد إلى محارب بن دثار إبطاء خبر أخيه جامع. فقال له محارب: إن لم تكن وطنت نفسك على فراق جامع فأنت عاجز.
وقال: محمد بن أبي محمد: بلغني أن الإسكندر مر بمدينة قد ملكها أملاك سبعة، وبادوا. فقال: هل بقي من نسل الأملاك الذين ملكوا هذه المدينة أحد؟ قالوا: رجل يكون في المقابر. فدعا به فقال: ما دعاك إلى لزوم المقابر؟ قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدت ذلك سواءً. قال: فهل لك أن تتبعني فأحيي بك شرف آبائك إن كانت لك همة؟ قال: إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك. قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت فيها، وشباب لا هرم معه، وغنىً لا يتبعه فقر، وسرور لا يغيره مكروه. قال: ما أقدر على هذا. قال: فامض لشأنك، وخلني أطلب بغيتي ممن هي عنده. فقال الاسكندر: هذا أحكم من رأيت.
وقال عبد الله بن عباس: ما قيل لقوم قط طوبى لهم إلا خبأ لهم الدهر يوم شر، فالصبر خير مغبةً.
وتحدث أبو الحسن المدائني قال: قال بعثر بن لقيط بن خالد بن نضلة الفقعسي وهلك ابنه طعمة، فورثه بردين فلبسهما وأنشأ يقول: الطويل
كساني ثوبي طعمة الموت إنّما التّ ... راث وإن عزّ الحبيب الغنائم
إذا نفحت ريّاهما الرّيح نفحةً ... أبيت كأنّي غضّة الطّرف رائم
يقول: أبيت أحن كالناقة الرائم حنيناً إلى ابني. والرائم: الناقة يفارقها ولدها فيحشى جلد فصيل تبناً أو غير ذلك، ويلطخ بشيء من سلاها، وتحشى غمامة في أنفها، وتجعل درجة في حيائها، فتفتح عينها، وذلك الجلد محشو كأنه خرج منها، ورائحة السلا فيه، وتنزع الغمامة من أنفها فتجد لذلك رائحة، فكأنها قد ولدت، فإذا تشممت ذلك الولد فقد رأمته، فينزل اللبن، فكأنهم خدعوها عن لبنها.
وقال شعيب بن صفوان: كان لحضرمي بن عامر الأسدي إخوة فهلكوا، فورث أموالهم، فراح ذات يوم في بردين له، فنظر إليه رجل من قومه يقال له جزء بن فاتك، فقال له: لقد أمسيت يا حضرمي جذلان، فأنشأ يقول وجزع: المنسرح
يقول جزء ولم يقل جللا ... إنّي تروّحت ناعماً جذلا
إن كنت أزننتني بها كذباً ... جزء فلاقيت مثلها عجلا
أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذوداً شصائصاً نبلا؟
الذوذ: القليل من الإبل. يقال: إن الذود الذوذ إلى الذود إبل والشصائص: المهازيل العجاف. والنبل: يقول أصحاب الغريب إنها الحقيرة، وإنها من الأضداد.
كم كان في إخوتي إذا اشتمل الأب ... طال تحت العجاجة الأسلا
من فارسٍ ماجدٍ أخي ثقةٍ ... يعطي جزيلاً ويقتل البطلا
وقال حرب وذكر المعمرين: عاش دويد النهدي أربع مائة سنة، فقال لولده وأهله حين نزل به الموت: أوصيكم بالناس شراً، طعناً لزا، وضرباً أزا، اقصروا الأعنة، وأطيلوا الأسنة، وارعوا الكلأ، ثم قال: مشطور الرجز
اليوم يبنى لدويدٍ بيته ... يا ربّ نهبٍ حسنٍ حويته
ومعصمٍ ذي برةٍ لويته ... لو كان للدّهر بلىً أبليته
أو كان قرني واحداً كفيته