للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثقيلاً عليه كأنه يحمِلُه على ظهرِه. وأنه قد جعلَ له الثناءَ الحسنَ، فصارَ لا يُذكرُ إلاَّ بخيرٍ، ومِنْ أعظمِ ذلك أنه قُرِنَ ذِكْرُه بِذِكْرِ الله؛ كما في الشهادتين (١).

٥ - ٦ - قولُه تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}؛ أي: فإذا علمتَ هذا (٢)، فاعلم أنَّه يعقبُ الشِّدَّةَ فرجٌ ومخرجٌ، ثمَّ أكَّد هذا


= ذنبُ غيرِه! والله المستعان.
واعلم أن في الرسولِ جانبين: جانبٌ بشري، وجانبٌ نَبَوي. أما الجانب البشري فهو فيه كالبشر: يحبُّ ويكرَه، ويرضى ويغضَب، ويأكلُ ويشرب، ويقومُ وينام ... إلخ، مع ما ميَّزَهُ الله به في هذا الجانب في بعض الأشياء؛ كسلامةِ الصدر، والقوةِ في النكاح، وعدمِ نومِ القلب، وغيرِها من الخصوصيات التي تتعلقُ بالجانب البشري.
ومن هذا الجانبِ قد يقعُ من النبي بعضُ الأخطاء التي يعاتبُه الله عليها، ولكَ أن تنظُرَ في جملةِ المعاتَبَاتِ الإلهية للنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ كعِتابه بشأن أسرَى بدر، وعتابِه بشأن زواجِه من زينب، وعتابِه في عبد الله بن أم مكتوم، وغيرِها، وقد نصَّ اللَّهُ على هذا الجانبِ في الرُّسُلِ جميعِهم صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليهم، ومن الآيات في ذلك: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً} [الإسراء: ٩٣]، ومن الأحاديثِ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أنا بَشَرٌ، وإنكم تختصِمونَ إليَّ، ولعلَّ بعضكم يكون ألحن بحجَّتِه من بعض، فأقضي له بنَحْوِ ما أسمع، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه شيئاً، فلا يأخذه، فإنما أقطعُ له من النار» (رواه البخاري).
وتكمُنُ العِصمةُ في هذا الجانب في أنَّ الله يُنَبِّهُ نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم على ما وقعَ منه من خطأ، وهذا ما يتأتَّى لأحدٍ من البشر غيره، فتأمله فإنه من جوانب العِصمة المُغْفَلَةِ.
وأما الجانب النَّبَوِيُّ، وهو جانب التبليغ، فإنه لم يرِد البتةَ أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم خالفَ فيه أمرَ الله؛ كأن يقولَ الله له: قل لعبادي يفعلوا كذا، فلا يقولُ لهم، أو يقولُ لهم خلافَ هذا الأمر، وهذا لو وقعَ فإنه مخالِفٌ للنبوَّة، ولذا لما سُحِرَ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يؤثِّر هذا السحر في الجانب النبوي، بل أثَّرَ في الجانب البشري، ومن ثمَّ فجانب التبليغ في النبيِّ معصومٌ، ويدلُّ على هذا الجانب قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، والله أعلم.
(١) كذا فسَّرَ السلف الرفعَ في الذكر بأنه في الشهادة، قال مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: «لا أُذكر إلا ذُكِرْتَ معي: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله». وقال قتادة من طريق سعيد: «رفعَ الله ذِكْرَهُ في الدنيا والآخرة، فليس خطيبٌ، ولا متشهِّدٌ، ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله».
(٢) هذا تفسير للفاء في قوله: {فَإِنْ}، وتسمَّى فاء الفصيحة، وهي تدل على كلامٍ محذوف =

<<  <   >  >>