للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن لم تكن متعلماً فأحبهم: لماذا؟ لأن المرء مع من أحب، فإن لم تحبهم فلا تبغضهم: أقل الأحوال عالج قلبك لا تبغضهم؛ لأن بعض الناس ما يكفيه أنه لا يحب أهل العلم، بل إذا رآهم يكاد يتميز من الغيظ -نسأل الله السلامة والعافية- لما جبل عليه من خبث طوية، وسوء النية، وكل هذا سببه التساهل بالأمور اليسيرة من فضول الكلام، وفضول الأكل وفضول النظر، وفضول النوم، هذه الفضول تتراكم على القلب وهي الران، ثم بعد ذلك تسهل عليه مزاولة المكروهات، ثم يجرئ على المحرمات ثم بعد ذلك يطبع على قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- فمثل هذه الأمور ينبغي أن يتنبه لها الإنسان.

فقال عمر: "سبحان الله قد جعل الله -عز وجل- له مخرجاً": نعم جعل الله -عز وجل- للإنسان مخرجاً؛ ما كل إنسان يستطيع أن يكون عالماً، وما كل إنسان تتيح له الظروف -ظروف معيشته ومن يمول- أن يكون متعلماً، ولا كل إنسان يستطيع أن يقهر نفسه على حب العلماء والمتعلمين، قد يتظاهر بذلك لكن المسألة مسألة المحبة القلبية، نعم، ما كل إنسان يستطيع ذلك، لكن أقل الأحوال جاهد قلبك ونفسك على عدم بغضهم.

لو أدرك الناس قيمة العلم وأهمية العلماء وأنه لا صلاح للعباد في دينهم ولا دنياهم إلا بواسطة أهل العلم، لأحبهم من سويداء قلبه، من عمق فؤاده، حتى أفتى جمع من أهل العلم أنه يحرم البقاء في بلد ليس فيه عالم يفتي الناس ويبصرهم.

يعني تصور نفسك أنك في واد مظلم، موحش، كثير السباع، وطريق طويل بين أشجار مظلمة موحشة، وسباع، وحيات، وصخور، وجبال، ووهاد، مظلم ثم جاء واحد معه نور -كشاف ولو صغير- يدلك الطريق، له معروف عليك وإلا ما له معروف عليك؟ نعم، هذا أنقذك من المهلكة، يعني أقل الأحوال تفقد العقل، هذا إذا سلم الجسم، فجاء صاحب هذا النور وأنار لك الطريق ولو كان يسيراً، والعلماء بهذه المثابة، يعني طالب العلم عنده نور يسير يمشي نفسه ويمشي الناس معه -بعض الناس معه- لكن العالم الذي مثل الشمس يغطي أرجاء الدنيا، هذا فضله على الأمة قد لا يدركه كثير من الناس.

تصور نفسك وقعت في مأزق، وقعت في بلية، وقعت في هفوة في زلة وبحثت عن أحد ينقذك منها ما وجدت، كيف تتصور نفسك؟

<<  <  ج: ص:  >  >>