فيقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "وجدت عامة علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند هذا الحي من الأنصار" علم الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو ما جاءه عن الله -جل وعلا-، وما يقوله مما أوحي إليه من غير القرآن فكلامه وحي؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، لكن إذا نظرنا في حقيقة كلام ابن عباس، وجدنا أن أكثر من يحفظ السنة من غير الأنصار، أبو هريرة مثلاً، عائشة، ابن عمر، ابن عباس، يعني إذا عددنا المكثرين وجدنا أكثرهم من غير الأنصار، فيهم أنس، ويليه في المرتبة الثانية جابر، وأبي سعيد وغيرهم، لكن المكثرين من الرواية جلهم من غير الأنصار.
إذاً كلام ابن عباس يقول:"وجدت عامة علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند هذا الحي من الأنصار" يعني على حد ظنه هو، وما تبين له من خلال استقرائه، كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "ما كان أحد أكثر مني حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو"، هذا على حسب ظنه، وعلى حسب توقعه، أو يكون قال ذلك قبل الدعوة النبوية التي ما نسي بعدها شيئاً.
على كل حال الأنصار عندهم علم، وعندهم خير عظيم، وآية الإيمان حب الأنصار، وجاء في فضلهم ما جاء من النصوص الصحيحة الصريحة، ولولا الهجرة لتمنى أن يكون من الأنصار، تمنى أن يكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- من الأنصار، لكن فضل الأنصار وأيضاً علم الأنصار، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أوى إليهم، وآووه ونصروه وآزروه، والمهاجرون أيضاً لهم السبق في هذا الباب.
"وجدت عامة علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند هذا الحي من الأنصار، وإن كنت لأقيل عند باب أحدهم" ابن عباس حبر الأمة ترجمان القرآن، ابن عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، بإمكانه أن يطرق الباب، ويستقبل استقبالاً يليق به، لكن من أدبه -رضي الله عنه وأرضاه- يقيل، لا يريد أن يكدر على من يستفيد منهم، وهذا أدب من ابن عباس يتأدب به طالب العلم.