وممن أطلق الجهالة وعدم المعرفة لقلة حديث الرجل: الامام الترمذي في " سننه " باب المشي خلف الجنازة ٣: ٣٨٩
١٠١١) ، قال: " إن أبا ماجد رجل مجهول لا يعرف، إنما يروى عنه حديثان عن ابن مسعود ".
فكون الرجل قليل الحديث، وأنه سبب لاطلاق عدم المعرفة به: أمر معروف عند أهل العلم، وهو واضح من حيث النظر، فلا يستشكل عليه.
وهذا ما يمهد لنا السبيل للبحث في كلمة اصطلاحية ثانية لابن معين، هي قوله: ٢٩ - ليس بشئ: فانها كلمة ظاهرة المراد في أن الرجل لا يلتفت إلى ولا يعبا به، ولكن لماذا؟ لانه تالف هالك، أو لانه قليل الحديث فلا يشتغل به؟.
فالشواهد الكثيرة التي جمعها شيخنا العلامة الحجة الاستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة سلمه الله تعالى في تعليقاته على " الرفع والتكميل " ص ١٢٢ - ٢٢١، هي شواهد ناطقة بان المراد: تالف هالك، كما هو المدلول الاصلي لها.
وتفسيرها بقلة الحديث أمر صحيح أيضا، فقد يكون قليل الحديث ومجهول العين، أو مجهول العدالة، أو فاقد الضبط، كما تقدم قبل قليل.
وأول من جاء بهذا التفسير: أشهر تلامذة ابن معين - تقريبا - وصاحب أوسع رواية عنه: العباس بن محمد الدوري.
ففي " تاريخه ٢: ٤٥٦
٤٢٠٩- عن ابن معين: " كان عمير بن إسحاق لا يساوي شيئا، ولكن يكتب حديثه ".
وفسرها الدوري بقوله: " وقال أبو الفضل - هو الدوري نفسه -: يعني يحيى بقوله: أنه ليس بشئ، يقول: إنه لا يعرف، ولكن ابن عون روى عنه.
فقلت ليحيى: ولا يكتب حديثه؟ قال: بلى " أي: يكتب حديثه.
وقال ابن معين أيضا في كثير بن شنظير، في رواية الدوري ٢: ٤٩٣
٤٠١٤) ، " ليس بشئ ".
فقال الحاكم - كما في " الفتح " ٦: ٣٥٦ و " التهذيب " ٨: ٤١٩ -: " قول ابن معين
ليس بشئ) : يعني لم يسند من الحديث ما يشتغل به ".
والظاهر أن قول الدوري والحاكم هو مستند ابن القطان في قوله الذي نقله عنه الحافظ - واشتهر به - في " مقدمة الفتح " ص ٤٢١ في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري: " إن مراد ابن معين بقوله في بعض الروايات
ليس بشئ- يعني أن أحاديثه قليلة جدا ".
وقوله " في بعض الروايات ": يشبه قول الحاكم: " ربما قال فيه: ليس بشئ "، وإن كان قول الحاكم أوضح.
وتصرف السخاوي رحمه الله في " فتح المغيث " ١: ٣٤٥ تصرفا مخلا في نقل كلام ابن القطان فقال عن إدراج " ليس بشئ " مع قولهم: " ليس بثقة، واه بمرة ": " هو المعتممد، وإن قال ابن القطان: إن ابن معين إذا قال في الراوي " ليس بشئ ": إنما يريد أنه لم يرو حديثا كثيرا "، فاوهم اطراد هذا التفسير!.
أقول: إنه تصرف مخل، لا سيما مع تأمل الموقع الذي نقل فيه ابن حجر كلمة ابن القطان هذه، وهذا لفظه م المصدر المذكور: " عبد العزيز بن المختار البصري، وثقه ابن معين في رواية ابن الجنيد