[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.]
٤٦٥ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
ذِكْرُ قَتْلِ السُّلْطَانِ أَلْب أَرْسَلَانَ.
فِي أَوَّلِ هَذِهِ السَّنَةِ قَصَدَ السُّلْطَانُ أَلْب أَرْسَلَانَ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ أَلْب أَرْسَلَانَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَصَاحِبُهُ شَمْسُ الْمُلْكِ تِكِينَ، فَعَقَدَ عَلَى جَيْحُونَ جِسْرًا وَعَبَرَ عَلَيْهِ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَعَسْكَرُهُ يَزِيدُ عَلَى مِائَتَيْ أَلْفِ فَارِسٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ بِمُسْتَحْفِظِ قَلْعَةٍ يُعْرَفُ بِيُوسُفَ الْخُوَارِزْمِيِّ، فِي سَادِسِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَحُمِلَ إِلَى قُرْبِ سَرِيرِهِ مَعَ غُلَامَيْنِ، فَتَقَدَّمَ أَنْ تُضْرَبَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْتَادٍ وَتُشَدَّ أَطْرَافُهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: يَا مُخَنَّثُ! مِثْلِي يُقْتَلُ هَذِهِ الْقِتْلَةَ؟ فَغَضِبَ السُّلْطَانُ أَلْب أَرْسَلَانَ، وَأَخَذَ الْقَوْسَ وَالنِّشَابَ، وَقَالَ لِلْغُلَامَيْنِ: خَلِّيَاهُ! وَرَمَاهُ السُّلْطَانُ بِسَهْمٍ فَأَخْطَأَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْطِئُ سَهْمُهُ، فَوَثَبَ يُوسُفُ يُرِيدُهُ، وَالسُّلْطَانُ عَلَى سُدَّةٍ، فَلَمَّا رَأَى يُوسُفَ يَقْصِدُهُ قَامَ عَنِ السُّدَّةِ وَنَزَلَ عَنْهَا، فَعَثَرَ، فَوَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ، فَبَرَكَ عَلَيْهِ يُوسُفُ وَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ كَانَتْ مَعَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، وَكَانَ سَعْدُ الدَّوْلَةِ وَاقِفًا، فَجَرَحَهُ يُوسُفُ أَيْضًا جِرَاحَاتٍ، وَنَهَضَ السُّلْطَانُ إِلَى خَيْمَةٍ أُخْرَى، وَضَرَبَ بَعْضُ الْفَرَّاشِينَ يُوسُفَ بِمِرْزَبَةٍ عَلَى رَأْسِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَطَّعَهُ الْأَتْرَاكُ.
وَكَانَ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ لَمَّا بَلَغَهُمْ عُبُورُ السُّلْطَانِ النَّهْرَ، وَمَا فَعَلَ عَسْكَرُهُ بِتِلْكَ الْبِلَادِ لَا سِيَّمَا بُخَارَى، اجْتَمَعُوا، وَخَتَمُوا خَتَمَاتٍ، وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَهُمْ أَمْرَهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ.
وَلَمَّا جُرِحَ السُّلْطَانُ قَالَ: مَا مِنْ وَجْهٍ قَصَدْتُهُ، وَعَدُوٍّ أَرَدْتُهُ، إِلَّا اسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ أَمْسُ صَعِدْتُ عَلَى تَلٍّ، فَارْتَجَّتِ الْأَرْضُ تَحْتِي مِنْ عِظَمِ الْجَيْشِ وَكَثْرَةِ الْعَسْكَرِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنَا مَلِكُ الدُّنْيَا، وَمَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَيَّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute