فَعَجَّزَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِأَضْعَفِ خَلْقِهِ، وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَسْتَقِيلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْخَاطِرِ. فَتُوُفِّيَ عَاشِرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ، فَحُمِلَ إِلَى مَرْوَ وَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيهِ.
وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَبَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَشُهُورًا، وَقِيلَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ عِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ مُنْذُ خُطِبَ لَهُ بِالسَّلْطَنَةِ إِلَى أَنْ قُتِلَ تِسْعَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا، وَلَمَّا وَصَلَ خَبَرُ مَوْتِهِ إِلَى بَغْدَاذَ جَلَسَ الْوَزِيرُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ بْنُ جَهِيرٍ لِلْعَزَاءِ بِهِ فِي صَحْنِ السَّلَامِ.
ذِكْرُ نَسَبِ أَلْب أَرْسَلَانَ وَبَعْضِ سِيرَتِهِ.
هُوَ أَلْب أَرْسَلَانَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ جُغْرِي بِكْ بْنِ مِيكَائِيلَ بْنِ سَلْجُوقَ، وَكَانَ كَرِيمًا، عَادِلًا، عَاقِلًا، يَسْمَعُ السِّعَايَاتِ، وَاتَّسَعَ مُلْكُهُ جِدًّا، وَدَانَ لَهُ الْعَالَمُ، وَبِحَقٍّ قِيلَ لَهُ سُلْطَانُ الْعَالَمِ.
وَكَانَ رَحِيمَ الْقَلْبِ رَفِيقًا بِالْفُقَرَاءِ، كَثِيرَ الدُّعَاءِ بِدَوَامِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ. اجْتَازَ يَوْمًا بِمَرْوَ عَلَى فُقَرَاءِ الْخَرَّائِينَ، فَبَكَى، وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُغْنِيَهُ مِنْ فَضْلِهِ.
وَكَانَ يُكْثِرُ الصَّدَقَةَ، فَيَتَصَدَّقُ فِي رَمَضَانَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَكَانَ فِي دِيوَانِهِ أَسْمَاءُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَرَاءِ فِي جَمِيعِ مَمَالِكِهِ، عَلَيْهِمُ الْإِدْرَارَاتُ وَالصِّلَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي جَمِيعِ بِلَادِهِ جِنَايَةٌ وَلَا مُصَادَرَةٌ، قَدْ قَنَعَ مِنَ الرَّعَايَا بِالْخَرَاجِ الْأَصْلِيِّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كُلَّ سَنَةٍ دَفْعَتَيْنِ رِفْقًا بِهِمْ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ السُّعَاةِ سِعَايَةً فِي نِظَامِ الْمُلْكِ وَزِيرِهِ، وَذَكَرَ مَا لَهُ فِي مَمَالِكِهِ مِنَ الرُّسُومِ وَالْأَمْوَالِ، وَتُرِكَتْ عَلَى مُصَلَّاهُ، فَأَخَذَهَا فَقَرَأَهَا، ثُمَّ سَلَّمَهَا إِلَى نِظَامِ الْمُلْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute