[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ]
٦٢٣ -
ذِكْرُ مُلْكِ جَلَالِ الدِّينِ تِفْلِيسَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ثَامِنَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَتَحَ جَلَالُ الدِّينِ بْنُ خُوَارَزْمَ شَاهْ مَدِينَةَ تِفْلِيسَ مِنَ الْكُرْجِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَانْهِزَامَهُمْ مِنْهُ، وَعَوْدَهُ إِلَى تِبْرِيزَ بِسَبَبِ الْخُلْفِ الْوَاقِعِ فِيهَا، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِي أَذْرَبِيجَانَ، عَادَ إِلَى بَلَدِ الْكُرْجِ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ، وَخَرَجَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَدَخَلَتْ هَذِهِ السَّنَةُ، فَقَصَدَ بِلَادَهُمْ، وَقَدْ عَادُوا فَحَشَدُوا وَجَمَعُوا مِنَ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمُ اللَّانَ وَاللَّكْزَ وَقَفْجَاقَ وَغَيْرَهُمْ، فَاجْتَمَعُوا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصَى، فَطَمِعُوا بِذَلِكَ، وَمَنَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمُ الْأَبَاطِيلَ، وَوَعَدَهُمُ الشَّيْطَانُ الظَّفَرَ، {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: ١٢٠] ، فَلَقِيَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمُ الْكَمِينَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَوَلَّىُ الْكُرْجُ مُنْهَزِمِينَ لَا يَلْوِي الْأَخُ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا الْوَالِدُ عَلَى وَلَدِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ أَهَمَّتُهُ نَفْسُهُ، وَأَخَذَتْهُمْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الْيَسِيرُ الشَّاذُّ الَّذِي لَا يُعْبَأُ بِهِ، وَأَمَرَ جَلَالُ الدِّينِ عَسْكَرَهُ أَنْ لَا يُبْقُوا عَلَى أَحَدٍ، وَأَنْ يَقْتُلُوا مَنْ وَجَدُوا، فَتَبِعُوا الْمُنْهَزِمِينَ يَقْتُلُونَهُمْ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ بِقَصْدِ تِفْلِيسَ دَارِ مُلْكِهِمْ، فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَنْ نَقْتُلَ رِجَالَنَا تَحْتَ الْأَسْوَارِ، إِنَّمَا إِذَا أَفْنَيْتُ الْكُرْجَ، أَخَذْتُ الْبِلَادَ صَفْوًا عَفْوًا.
وَلَمْ تَزَلِ الْعَسَاكِرُ تَتْبَعُهُمْ وَتَسْتَقْصِي فِي طَلَبِهِمْ إِلَى أَنْ كَادُوا يُفْنُونَهُمْ، فَحِينَئِذٍ قَصَدَ تِفْلِيسَ وَنَزَلَ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، وَسَارَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَقَصَدَهَا لِيَنْظُرَ إِلَيْهَا، وَيُبْصِرَ مَوَاضِعَ النُّزُولِ عَلَيْهَا، وَكَيْفَ يُقَاتِلُهَا، فَلَمَّا قَارَبَهَا، كَمَنَ أَكْثَرُ الْعَسْكَرِ الَّذِي مَعَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهَا فِي نَحْوِ ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ، فَلَمَّا رَآهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute