وَبِاللَّهِ مَا أَعْطَى اللَّهُ هَذَا قَوْمًا إِلَّا تَحَاسَدُوا وَتَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا إِلَّا أَلْقَى اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ. وَمَنَعَ عُمَرُ مِنْ قِسْمَةِ السَّوَادِ، لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْآجَامِ وَالْغِيَاضِ وَمَغِيضِ الْمِيَاهِ، وَمَا كَانَ لِبُيُوتِ النَّارِ وَلِسِكَكِ الْبُرُدِ، وَمَا كَانَ لِكِسْرَى وَمَنْ جَامَعَهُ، وَمَا كَانَ لِمَنْ قُتِلَ وَالْأَرْحَاءِ ; وَخَافَ أَيْضًا الْفِتْنَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنَعَ مِنْ بِيعِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَسَّمْ، وَأَقَرُّوهَا حَبِيسًا يُوَلُّونَهَا مَنْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِالرِّضَا، وَكَانُوا لَا يُجْمِعُونَ إِلَّا عَلَى الْأُمَرَاءِ، فَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ مَا بَيْنَ حُلْوَانَ وَالْقَادِسِيَّةِ، وَاشْتَرَى جَرِيرٌ أَرْضًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فَرَدَّ عُمَرُ ذَلِكَ الشِّرَاءَ وَكَرِهَهُ.
[ذكر تَكْرِيتَ وَالْمَوْصِلِ]
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُتِحَتْ تَكْرِيتُ فِي جُمَادَى.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَنْطَاقَ سَارَ مِنَ الْمَوْصِلِ إِلَى تَكْرِيتَ، وَخَنْدَقَ عَلَيْهِ لِيَحْمِيَ أَرْضَهُ وَمَعَهُ الرُّومُ وَإِيَادُ وَتَغْلِبُ وَالنَّمِرُ وَالشَّهَارِجَةُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ سَرِّحْ إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُعْتَمِّ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَى مُقَدَّمَتِهِ رِبْعِيَّ بْنَ الْأَفْكَلِ، وَعَلَى الْخَيْلِ عَرْفَجَةَ بْنَ هَرْثَمَةَ. فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى تَكْرِيتَ وَنَزَلَ عَلَى الْأَنْطَاقِ، فَحَصَرَهُ وَمَنْ مَعَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَتَزَاحَفُوا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ زَحْفًا، وَكَانُوا أَهْوَنَ شَوْكَةً مِنْ أَهْلِ جَلُولَاءَ، وَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَمِّ إِلَى الْعَرَبِ الَّذِينَ مَعَ الْأَنْطَاقِ يَدْعُوهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ، وَكَانُوا لَا يُخْفُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَلَمَّا رَأَتِ الرُّومُ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرِينَ عَلَيْهِمْ تَرَكُوا أُمَرَاءَهُمْ وَنَقَلُوا مَتَاعَهُمْ إِلَى السُّفُنِ، فَأَرْسَلَتْ تَغْلِبُ وَإِيَادٌ وَالنَّمِرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بِالْخَبَرِ، وَسَأَلُوهُ الْأَمَانَ وَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ مَعَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَسْلِمُوا. فَأَجَابُوهُ وَأَسْلَمُوا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ: إِذَا سَمِعْتُمْ تَكْبِيرَنَا فَاعْلَمُوا أَنَّا أَخَذْنَا أَبْوَابَ الْخَنْدَقِ، فَخُذُوا الْأَبْوَابَ الَّتِي تَلِي دِجْلَةَ وَكَبِّرُوا وَاقْتُلُوا مَنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ.
وَنَهَدَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمُسْلِمُونَ وَكَبَّرُوا وَكَبَّرَتْ تَغْلِبُ وَإِيَادٌ وَالنَّمِرُ وَأَخَذُوا الْأَبْوَابَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute