[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥٦٩ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ مُلْكِ شَمْسِ الدَّوْلَةِ زَبِيدَ وَعَدَنَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ
قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ يُوسُفَ بْنَ أَيُّوبَ، صَاحِبَ مِصْرَ، وَأَهْلَهُ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودَ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى مِصْرَ فَيَأْخُذَهَا مِنْهُمْ، فَشَرَعُوا فِي تَحْصِيلِ مَمْلَكَةٍ يَقْصِدُونَهَا وَيَتَمَلَّكُونَهَا تَكُونُ عِدَّةً لَهُمْ إِنْ أَخْرَجَهُمْ نُورُ الدِّينِ مِنْ مِصْرَ سَارُوا إِلَيْهَا وَأَقَامُوا بِهَا، فَسَيَّرُوا شَمْسَ الدَّوْلَةِ تُورَانْشَاهْ بْنَ أَيُّوبَ، وَهُوَ أَخُو صَلَاحِ الدِّينِ الْأَكْبَرِ، إِلَى بَلَدِ النُّوبَةِ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَلَمَّا عَادَ إِلَى مِصْرَ اسْتَأْذَنُوا نُورَ الدِّينِ فِي أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْيَمَنِ لِقَصْدِ عَبْدِ النَّبِيِّ، صَاحِبِ زَبِيدَ [وَأَخْذِ بَلَدِهِ] لِأَجْلِ قَطْعِ الْخُطْبَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، فَأَذِنَ فِي ذَلِكَ.
وَكَانَ بِمِصْرَ شَاعِرٌ اسْمُهُ عُمَارَةُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَكَانَ يُحَسِّنُ لِشَمْسِ الدَّوْلَةِ قَصْدَ الْيَمَنِ، وَيَصِفُ الْبِلَادَ لَهُ، وَيُعَظِّمُ ذَلِكَ فِي عَيْنِهِ، فَزَادَهُ قَوْلُهُ رَغْبَةً فِيهَا، فَشَرَعَ يَتَجَهَّزُ وَيُعِدُّ الْأَزْوَادَ وَالرَّوَايَا وَالسِّلَاحَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْآلَاتِ، وَجَنَّدَ الْأَجْنَادَ، فَجَمَعَ وَحَشَدَ، وَسَارَ عَنْ مِصْرَ مُسْتَهَلَّ رَجَبٍ، فَوَصَلَ إِلَى مَكَّةَ، أَعَزَّهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْهَا إِلَى زَبِيدَ، وَفِيهَا صَاحِبُهَا الْمُتَغَلِّبُ عَلَيْهَا الْمَعْرُوفُ بِعَبْدِ النَّبِيِّ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا رَآهُ أَهْلُهَا، فَاسْتَقَلُّوا مَنْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ النَّبِيِّ: كَأَنَّكُمْ بِهَؤُلَاءِ وَقَدْ حَمِيَ عَلَيْهِمُ الْحَرُّ فَهَلَكُوا وَمَا هُمْ إِلَّا أَكْلَةُ رَأْسٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بِعَسْكَرِهِ، فَقَاتَلَهُمْ شَمْسُ الدَّوْلَةِ وَمَنْ مَعَهُ، فَلَمْ يَثْبُتْ أَهْلُ زَبِيدَ وَانْهَزَمُوا، وَوَصَلَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَى سُورِ زَبِيدَ، فَلَمْ يَجِدُوا عَلَيْهِ مَنْ يَمْنَعُهُمْ، فَنَصَبُوا السَّلَالِمَ، وَصَعَدُوا السُّورَ، فَمَلَكُوا الْبَلَدَ عَنْوَةً وَنَهَبُوهُ وَأَكْثَرُوا النَّهْبَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute