[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ]
١٩٦ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ تَوْجِيهِ الْأَمِينِ الْجُيُوشَ إِلَى طَاهِرٍ وُعَوْدِهِمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ الْأَمِينُ أَسَدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مَزْيَدٍ، وَسَيَّرَ عَمَّهُ أَحْمَدَ بْنَ مَزْيَدٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ، إِلَى حُلْوَانَ لِحَرْبِ طَاهِرٍ.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ أَسَدٌ قَالَ: إِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَرْسَلَ إِلَيَّ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ يَسْتَدْعِينِي، فَجِئْتُهُ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ بِيَدِهِ رُقْعَةٌ قَدْ قَرَأَهَا، وَقَدِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَنَامُ نَوْمَ الظَّرِبَانِ، وَيَنْتَبِهُ انْتِبَاهَ الذِّئْبِ، هَمُّهُ بَطْنُهُ، يُخَاتِلُ الرُّعَاةَ وَالْكِلَابُ تَرْصُدُهُ، لَا يُفَكِّرُ فِي زَوَالِ نِعْمَةٍ، وَلَا يُرَوِّي فِي إِمْضَاءِ رَأْيٍ، قَدْ أَلْهَاهُ كَأْسُهُ، وَشَغَلَهُ قَدَحُهُ، فَهُوَ يَجْرِي فِي لَهْوِهِ، وَالْأَيَّامُ تُوضَعُ فِي هَلَاكِهِ، قَدْ شَمَّرَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ سَاقٍ، وَفَوَّقَ لَهُ أَصْوَبَ أَسْهُمِهِ، يَرْمِيهِ عَلَى بُعْدِ الدَّارِ بِالْحَتْفِ النَّافِذِ، وَالْمَوْتِ الْقَاصِدِ، وَقَدْ عَبَّى لَهُ الْمَنَايَا عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ، وَنَاطَ لَهُ الْبَلَاءَ فِي أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ وَشِفَارِ السُّيُوفِ. ثُمَّ اسْتَرْجَعَ وَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ الْبَعِيثِ:
وَمَجْدُولَةٍ جَدْلَ الْعِنَانِ خَرِيدَةٍ ... لَهَا شَعَرٌ جَعْدٌ وَوَجْهٌ مُقَسَّمُ
وَثَغْرٌ نَقِيُّ اللَّوْنِ عَذْبٌ مَذَاقُهُ ... يُضِيءُ لَهُ الظَّلْمَاءُ سَاعَةَ تَبْسِمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute