[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَة]
١٤١ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ خُرُوجِ الرَّاوِنْدِيَّةِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ خُرُوجُ الرَّاوِنْدِيَّةِ عَلَى الْمَنْصُورِ، وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ عَلَى رَأْيِ أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ، يَقُولُونَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ، يَزْعُمُونَ أَنَّ رُوحَ آدَمَ فِي عُثْمَانَ بْنِ نَهِيكٍ، وَأَنَّ رَبَّهُمُ الَّذِي يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ هُوَ الْمَنْصُورُ، وَأَنَّ جَبْرَائِيلَ هُوَ الْهَيْثَمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ.
فَلَمَّا ظَهَرُوا أَتَوْا قَصْرَ الْمَنْصُورِ فَقَالُوا: هَذَا قَصْرُ رَبِّنَا. فَأَخَذَ الْمَنْصُورُ رُؤَسَاءَهُمْ، فَحَبَسَ مِنْهُمْ مِائَتَيْنِ، فَغَضِبَ أَصْحَابُهُمْ، وَأَخَذُوا نَعْشًا، وَحَمَلُوا السَّرِيرَ، وَلَيْسَ فِي النَّعْشِ أَحَدٌ، وَمَرُّوا بِهِ حَتَّى صَارُوا عَلَى بَابِ السِّجْنِ فَرَمَوْا بِالنَّعْشِ، وَحَمَلُوا عَلَى النَّاسِ وَدَخَلُوا السِّجْنَ وَأَخْرَجُوا أَصْحَابَهُمْ.
وَقَصَدُوا نَحْوَ الْمَنْصُورِ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ سِتُّمِائَةِ رَجُلٍ، فَتَنَادَى النَّاسُ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ، فَخَرَجَ الْمَنْصُورُ مِنَ الْقَصْرِ مَاشِيًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَصْرِ دَابَّةٌ، فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ [الْيَوْمِ] يَرْتَبِطُ دَابَّةً مَعَهُ فِي الْقَصْرِ.
فَلَمَّا خَرَجَ الْمَنْصُورُ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَهَا وَهُوَ يُرِيدُهُمْ، (وَتَكَاثَرُوا عَلَيْهِ حَتَّى كَادُوا يَقْتُلُونَهُ) ، وَجَاءَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ (الشَّيْبَانِيُّ، وَكَانَ مُسْتَتِرًا مِنَ الْمَنْصُورِ بِقِتَالِهِ مَعَ ابْنِ هُبَيْرَةَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمَنْصُورُ شَدِيدُ الطَّلَبِ لَهُ وَقَدْ بَذَلَ فِيهِ مَالًا كَثِيرًا، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ حَضَرَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ مُتَلَثِّمًا، وَتَرَجَّلَ وَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا، وَكَانَ الْمَنْصُورُ رَاكِبًا عَلَى بَغْلَةٍ وَلِجَامُهَا بِيَدِ الرَّبِيعِ حَاجِبِهِ.
فَأَتَى مَعْنٌ وَقَالَ: تَنَحَّ فَأَنَا أَحَقُّ بِهَذَا اللِّجَامِ مِنْكَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَأَعْظَمُ غَنَاءً. فَقَالَ الْمَنْصُورُ: صَدَقَ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ. فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى تَكَشَّفَتِ الْحَالُ وَظَفِرَ بِالرَّاوِنْدِيَّةِ. فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: طِلْبَتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ. فَقَالَ: آمَنَكَ اللَّهُ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ وَأَهْلِكَ، مِثْلُكَ يُصْطَنَعُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute