للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَة]

٦١٥ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ

ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَلِكِ الْقَاهِرِ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ نُورِ الدِّينِ وَمَا كَانَ مِنِ الْفِتَنِ بِسَبَبِ مَوْتِهِ إِلَى أَنِ اسْتَقَرَّتِ الْأُمُورُ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْقَاهِرُ عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودُ بْنُ أَرْسَلَان شَاهْ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِي بْنِ آقْسُنْقُرَ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ سَبْعَ سِنِينَ وَتِسْعَةَ أَشْهُرٍ.

وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَخَذَتْهُ حُمَّى، ثُمَّ فَارَقَتْهُ الْغَدَ، وَبَقِيَ يَوْمَيْنِ مَوْعُوكًا، ثُمَّ عَاوَدَتْهُ الْحُمَّى مَعَ قَيْءٍ كَثِيرٍ، وَكَرْبٍ شَدِيدٍ، وَقَلَقٍ مُتَتَابِعٍ ثُمَّ بَرَدَ بَدَنُهُ، وَعَرِقَ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى وَسَطِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ.

وَكَانَ كَرِيمًا، حَلِيمًا، قَلِيلَ الطَّمَعِ فِي أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ، كَافًّا عَنْ أَذًى يُوصِلُهُ إِلَيْهِمْ، مُقْبِلًا عَلَى لَذَّاتِهِ كَأَنَّمَا يَنْهَبُهَا وَيُبَادِرُ بِهَا الْمَوْتَ ; وَكَانَ عِنْدَهُ رِقَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَيُكْثِرُ ذِكْرَ الْمَوْتِ.

حَكَى لِي بَعْضُ مَنْ كَانَ يُلَازِمُهُ قَالَ: كُنَّا لَيْلَةً، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِنِصْفِ شَهْرٍ، عِنْدَهُ، فَقَالَ لِي: قَدْ وَجَدْتُ ضَجَرًا مِنَ الْقُعُودِ، فَقُمْ بِنَا نَتَمَشَّى إِلَى الْبَابِ الْعِمَادِيِّ ; قَالَ: فَقُمْنَا، فَخَرَجَ مِنْ دَارِهِ نَحْوَ الْبَابِ الْعِمَادِيِّ، فَوَصَلَ التُّرْبَةَ الَّتِي عَمِلَهَا لِنَفْسِهِ عِنْدَ دَارِهِ، فَوَقَفَ عِنْدَهَا مُفَكِّرًا لَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ قَالَ لِي: وَاللَّهِ مَا نَحْنُ فِي شَيْءٍ! أَلَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>