[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ]
١٧٧ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ غَزْوِ الْفِرِنْجِ بِالْأَنْدَلُسِ
وَفِيهَا سَيَّرَ هِشَامٌ، صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، جَيْشًا كَثِيفًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُغِيثٍ، فَدَخَلُوا بِلَادَ الْعَدُوِّ، فَبَلَغُوا أَرْبُونَةَ، وَجَرَنْدَةَ، فَبَدَأَ بِجَرَنْدَةَ، وَكَانَ بِهَا حَامِيَةُ الْفِرِنْجِ، فَقَتَلَ رِجَالِهَا، وَهَدَمَ أَسْوَارَهَا وَأَبْرَاجَهَا، وَأَشْرَفَ عَلَى فَتْحِهَا.
فَرَحَلَ عَنْهَا إِلَى أَرْبُونَةَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَوْغَلَ فِي بِلَادِهِمْ، وَوَطِئَ أَرْضَ شُرْطَانِيَةَ، فَاسْتَبَاحَ حَرِيمَهَا، وَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهَا، وَجَاسَ الْبِلَادَ شُهُورًا يُخَرِّبُ الْحُصُونَ، وَيُحَرِّقُ وَيَغْنَمُ، قَدْ أَجَفَلَ الْعَدُوُّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ هَارِبًا، وَأَوْغَلَ فِي بِلَادِهِمْ، وَرَجَعَ سَالِمًا مَعَهُ مِنَ الْغَنَائِمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَهِيَ مِنْ أَشْهَرِ مَغَازِي الْمُسْلِمِينَ بِالْأَنْدَلُسِ.
ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ الْفَضْلِ بْنِ رَوْحِ بْنِ حَاتِمٍ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَهِيَ سَنَةُ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ، اسْتَعْمَلَ الرَّشِيدُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ الْفَضْلَ بْنَ رَوْحِ بْنِ حَاتِمٍ، وَكَانَ الرَّشِيدُ لَمَّا تُوُفِّيَ رَوْحٌ اسْتَعْمَلَ بَعْدَهُ حَبِيبَ بْنَ نَصْرٍ الْمُهَلَّبِيَّ، فَسَارَ الْفَضْلُ إِلَى بَابِ الرَّشِيدِ، وَخَطَبَ وِلَايَةَ إِفْرِيقِيَّةَ، فَوَلَّاهُ، فَعَادَ إِلَيْهَا، فَقَدِمَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى مَدِينَةِ تُونِسَ ابْنَ أَخِيهِ الْمُغِيرَةَ بْنَ بِشْرِ بْنِ رَوْحٍ، وَكَانَ غَارًّا، فَاسْتَخَفَّ بِالْجُنْدِ.
وَكَانَ الْفَضْلُ أَيْضًا قَدْ أَوْحَشَهُمْ، وَأَسَاءَ السِّيرَةَ مَعَهُمْ، بِسَبَبِ مَيْلِهِمْ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَبِيبٍ الْوَالِي قَبْلَهُ، فَاجْتَمَعَ مَنْ بِتُونِسَ، وَكَتَبُوا إِلَى الْفَضْلِ يَسْتَعْفُونَ مِنِ ابْنِ أَخِيهِ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ عَنْ كِتَابِهِمْ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِ طَاعَتِهِ.
فَقَالَ لَهُمْ قَائِدٌ مِنَ الْخُرَاسَانِيَّةِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَارِسِيِّ: كُلُّ جَمَاعَةٍ لَا رَئِيسَ لَهَا فَهِيَ إِلَى الْهَلَاكِ أَقْرَبُ، فَانْظُرُوا رُجَلًا يُدَبِّرُ أَمْرَكُمْ. قَالُوا: صَدَقْتَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِ قَائِدٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَارُودِ، يُعْرَفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute