[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ]
٦٢ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ
ذِكْرُ وَفْدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ
لَمَّا وَلِيَ الْوَلِيدُ الْحِجَازَ أَقَامَ يُرِيدُ غِرَّةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَا يَجِدُهُ إِلَّا مُحْتَرِزًا مُمْتَنِعًا، وَثَارَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ النَّخَعِيُّ بِالْيَمَامَةِ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ، وَثَارَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالْحِجَازِ، وَكَانَ الْوَلِيدُ يُفِيضُ مِنَ الْمُعَرَّفِ وَيُفِيضُ مَعَهُ سَائِرُ النَّاسِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَاقِفٌ وَأَصْحَابُهُ، وَنَجْدَةُ وَاقِفٌ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِأَصْحَابِهِ وَنَجْدَةُ بِأَصْحَابِهِ، وَكَانَ نَجْدَةُ يَلْقَى ابْنَ الزُّبَيْرِ فَيُكْثِرُ، حَتَّى ظَنَّ أَكْثَرُ النَّاسِ أَنَّهُ سَيُبَايِعُهُ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَمِلَ بِالْمَكْرِ فِي أَمْرِ الْوَلِيدِ، فَكَتَبَ إِلَى يَزِيدَ: إِنَّكَ بَعَثْتَ إِلَيْنَا رَجُلًا أَخْرَقَ لَا يَتَّجِهُ لِرُشْدٍ وَلَا يَرْعَوِي لِعِظَةِ الْحَكِيمِ، فَلَوْ بَعَثْتَ رَجُلًا سَهْلَ الْخُلُقِ رَجَوْتُ أَنْ يَسْهُلَ مِنَ الْأُمُورِ مَا اسْتَوْعَرَ مِنْهَا، وَأَنْ يَجْتَمِعَ مَا تَفَرَّقَ.
فَعَزَلَ يَزِيدُ الْوَلِيدَ وَوَلَّى عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانٍ، وَهُوَ فَتًى غِرٌّ حَدَثٌ لَمْ يُجَرِّبِ الْأُمُورَ وَلَمْ يُحَنِّكْهُ السِّنُّ، لَا يَكَادُ يَنْظُرُ فِي شَيْءٍ مِنْ سُلْطَانِهِ وَلَا عَمَلِهِ، فَبَعَثَ إِلَى يَزِيدَ وَفْدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَرِجَالًا كَثِيرًا مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَدِمُوا عَلَى يَزِيدَ، فَأَكْرَمَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَعْظَمَ جَوَائِزَهُمْ، فَأَعْطَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ، وَكَانَ شَرِيفًا فَاضِلًا عَابِدًا سَيِّدًا، مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ مَعَهُ ثَمَانِيَةُ بَنِينَ، فَأَعْطَى كُلَّ وَلَدٍ عَشْرَةَ آلَافٍ.
فَلَمَّا رَجَعُوا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ كُلُّهُمْ إِلَّا الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ قَدِمَ الْعِرَاقَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ، وَكَانَ يَزِيدُ قَدْ أَجَازَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا قَدِمَ أُولَئِكَ النَّفَرُ الْوَفْدُ الْمَدِينَةَ قَامُوا فِيهِمْ فَأَظْهَرُوا شَتْمَ يَزِيدَ وَعَيْبَهُ وَقَالُوا: قَدِمْنَا مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ دِينٌ يَشْرَبُ الْخَمْرَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute