هُوَ، بِنُشَّابَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْفَصْمِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: انْزِعُوهَا. فَقَالَ: دَعُونِي فَإِنَّ نَفْسِي مَعِي مَا دَامَتْ فِيَّ لَعَلِّي أَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ بِطَعْنَةٍ أَوْ ضَرْبَةٍ. فَمَضَى نَحْوَ الْعَدُوِّ فَضَرَبَ بِسَيْفِهِ شَهْرَيَارَ مِنْ أَهْلِ إِصْطَخْرَ فَقَتَلَهُ، وَأُحِيطَ بِهِ فَقُتِلَ وَمَا انْكَشَفُوا.
وَقِيلَ: إِنْ زُهْرَةَ عَاشَ إِلَى أَيَّامِ الْحَجَّاجِ فَقَتَلَهُ شَبِيبٌ الْخَارِجِيُّ، وَسَيَرِدُ ذِكْرُهُ.
وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ بِأَهْلِ الْمَدَائِنِ الْغَرْبِيَّةِ حَتَّى أَكَلُوا السَّنَانِيرَ وَالْكِلَابَ، وَصَبَرُوا مِنْ شِدَّةِ الْحِصَارِ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، فَبَيْنَا هُمْ يُحَاصِرُونَهُمْ إِذْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ الْمَلِكِ، فَقَالَ: الْمَلِكُ يَقُولُ لَكُمْ: هَلْ لَكُمْ إِلَى الْمُصَالَحَةِ عَلَى أَنَّ لَنَا مَا يَلِينَا مِنْ دِجْلَةَ إِلَى جَبَلِنَا، وَلَكُمْ مَا يَلِيكُمْ مِنْ دِجْلَةَ إِلَى جَبَلِكُمْ؟ أَمَا شَبِعْتُمْ لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بُطُونَكُمْ! فَقَالَ لَهُمْ أَبُو مُفَزِّرٍ الْأَسْوَدُ بْنُ قُطْبَةَ، وَقَدْ أَنْطَقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِمَا لَا يَدْرِي مَا هُوَ وَلَا مَنْ مَعَهُ. فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَقَطَعُوا دِجْلَةَ إِلَى الْمَدَائِنِ الشَّرْقِيَّةِ الَّتِي فِيهَا الْإِيوَانُ، فَقَالَ لَهُ مَنْ مَعَهُ: يَا أَبَا مُفَزِّرٍ مَا قُلْتَ لَهُ؟ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا أَدْرِي! وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ نَطَقْتُ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ. وَسَأَلَهُ سَعْدٌ وَالنَّاسُ عَمَّا قَالَ فَلَمْ يَعْلَمْ. فَنَادَى سَعْدٌ فِي النَّاسِ، فَنَهَدُوا إِلَيْهِمْ، فَمَا ظَهَرَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَحَدٌ، وَلَا خَرَجَ رَجُلٌ إِلَّا رَجُلٌ يُنَادِي بِالْأَمَانِ، فَآمَنُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ مَنْ يَمْنَعُكُمْ. فَدَخَلُوا فَمَا وَجَدُوا فِيهَا شَيْئًا وَلَا أَحَدًا إِلَّا أُسَارَى وَذَلِكَ الرَّجُلَ، فَسَأَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ هَرَبُوا؟ فَقَالَ: بَعَثَ الْمَلِكُ إِلَيْكُمْ يَعْرِضُ عَلَيْكُمُ الصُّلْحَ، فَأَجَبْتُمُوهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ صُلْحٌ أَبَدًا حَتَّى نَأْكُلَ عَسَلَ أَفْرِيدُونَ بِأُتْرُجِّ كُوثَى. فَقَالَ الْمَلِكُ: يَا مَيْلَتَيْهِ! إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ تَرُدُّ عَلَيْنَا.
فَسَارُوا إِلَى الْمَدِينَةِ الْقُصْوَى. فَلَمَّا دَخَلَهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْزَلَهُمْ سَعْدٌ الْمَنَازِلَ، وَأَرَادُوا الْعُبُورَ إِلَى الْمَدَائِنِ فَوَجَدُوا الْمَعَابِرَ قَدْ أَخَذُوهَا مَا بَيْنَ الْمَدَائِنِ وَتَكْرِيتَ.
[ذكر فَتْحِ الْمَدَائِنِ الَّتِي فِيهَا إِيوَانُ كِسْرَى]
وَكَانَ فَتْحُهَا فِي صَفَرٍ أَيْضًا سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، قِيلَ: وَأَقَامَ سَعْدٌ بِبَهُرَسِيرَ أَيَّامًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute