وَبَعَثَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمَثَنَّى إِلَى بَارُوسْمَا، وَبَعَثَ وَالِقًا إِلَى الزَّوَابِي، وَعَاصِمًا إِلَى نَهْرِ جَوْبَرَ، فَهَزَمُوا مَنْ كَانَ تَجَمَّعَ، وَأَخْرَجُوا وَسَبَوْا أَهْلَ زَنْدَوَرْدَ وَغَيْرِهَا، وَبَذَلَ لَهُمْ فَرُّوخُ وَفَرَاوَنْدَادُ عَنْ أَهْلِ بَارُوسْمَا وَالزَّوَابِي وَكَسْكَرَ - الْجَزَاءَ مُعَجَّلًا، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ وَصَارُوا صُلْحًا، وَجَاءَ فَرُّوخُ وَفَرَاوَنْدَادُ إِلَى أَبِي عُبَيْدٍ بِأَنْوَاعِ الطَّعَامِ وَالْأَخْصِبَةِ وَغَيْرِهَا، فَقَالَ: هَلْ أَكْرَمْتُمُ الْجُنْدَ بِمِثْلِهَا؟ فَقَالُوا: لَمْ يَتَسَيَّرْ وَنَحْنُ فَاعِلُونَ. وَكَانُوا يَتَرَبَّصُونَ قُدُومَ الْجَالِينُوسِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، بِئْسَ الْمَرْءُ أَبُو عُبَيْدٍ إِنْ صَحِبَ قَوْمًا مِنْ بِلَادِهِمُ اسْتَأْثَرَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا اللَّهِ لَا آكُلُ مَا أَتَيْتُمْ بِهِ وَلَا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ إِلَّا مِثْلَ مَا يَأْكُلُ أَوْسَاطُهُمْ. فَلَمَّا هُزِمَ الْجَالِينُوسُ أَتَوْهُ بِالْأَطْعِمَةِ أَيْضًا، فَقَالَ: مَا آكُلُ هَذَا دُونَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالُوا لَهُ: لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِ هَذَا، فَأَكَلَ حِينَئِذٍ.
[ذِكْرُ وَقْعَةِ الْجَالِينُوسِ]
وَلَمَّا بَعَثَ رُسْتُمُ الْجَالِينُوسَ أَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِنَرْسِي، ثُمَّ يُقَاتِلَ أَبَا عُبَيْدٍ، فَبَادَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَى نَرْسِي فَهَزَمَهُ، وَجَاءَ الْجَالِينُوسُ فَنَزَلَ بِبَاقُسْيَاثَا مِنْ بَارُوسْمَا، فَسَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ وَهُوَ عَلَى تَعْبِيَتِهِ، فَالْتَقَوْا بِهَا، فَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَهَرَبَ الْجَالِينُوسُ، وَغَلَبَ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى قَدِمَ الْحِيرَةَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى أَرْضِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْجَبْرِيَّةِ، تُقْدِمُ عَلَى قَوْمٍ تَجَرَّءُوا عَلَى الشَّرِّ فَعَلِمُوهُ، وَتَنَاسَوُا الْخَيْرَ فَجَهِلُوهُ، فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُونُ، وَاحْرِزْ لِسَانَكَ، وَلَا تُفْشِيَنَّ سِرَّكَ، فَإِنَّ صَاحِبَ السِّرِّ مَا يَضْبُطُهُ مُتَحَصِّنٌ لَا يُؤْتَى مِنْ وَجْهٍ يَكْرَهُهُ، وَإِذَا ضَيَّعَهُ كَانَ بِمَضْيَعَةٍ.
[ذِكْرُ وَقْعَةِ قُسِّ النَّاطِفِ وَيُقَالُ لَهَا الْجِسْرُ وَيُقَالُ الْمَرْوَحَةُ وَقَتْلِ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ]
وَلَمَّا رَجَعَ الْجَالِينُوسُ إِلَى رُسْتُمَ مُنْهَزِمًا وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنْدِهِ قَالَ رُسْتُمُ: أَيُّ الْعَجَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute