[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥٨٠ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ إِطْلَاقِ مُجَاهِدِ الدِّينِ مِنَ الْحَبْسِ وَانْهِزَامِ الْعَجَمِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي مُحَرَّمٍ، أَطْلَقَ أَتَابِكُ عِزُّ الدِّينِ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ، مُجَاهِدَ الدِّينِ قَايْمَازَ مِنَ الْحَبْسِ بِشَفَاعَةِ شَمْسِ الدِّينِ الْبَهْلَوَانِ، صَاحِبِ هَمَذَانَ وَبِلَادِ الْجَبَلِ، وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَهْلَوَانِ وَأَخِيهِ قُزْلَ يَسْتَنْجِدُهُمَا عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ، فَسَارَ إِلَى قُزْلَ أَوَّلًا، وَهُوَ صَاحِبُ أَذْرَبِيجَانَ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ الْمُضِيِّ إِلَى الْبَهْلَوَانِ، وَقَالَ: مَا تَخْتَارُهُ أَنَا أَفْعَلُهُ، وَجَهَّزَ مَعَهُ عَسْكَرًا كَثِيرًا نَحْوَ ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ، وَسَارُوا نَحْوَ إِرْبِلَ لِيَحْصُرُوهَا، فَلَمَّا قَارَبُوهَا أَفْسَدُوا فِي الْبِلَادِ وَخَرَّبُوهَا، وَنَهَبُوا وَسَبَوْا، وَأَخَذُوا النِّسَاءَ قَهْرًا، وَلَمْ يَقْدِرْ مُجَاهِدُ الدِّينِ عَلَى مَنْعِهِمْ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ زَيْنُ الدِّينِ يُوسُفُ، صَاحِبُ إِرْبِلَ، فِي عَسْكَرِهِ، فَلَقِيَهُمْ وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ فِي الْقُرَى يَنْهَبُونَ وَيَحْرِقُونَ، فَانْتَهَزَ الْفُرْصَةَ فِيهِمْ بِتَفَرُّقِهِمْ، وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ وَعَسْكَرِهِ عَلَى أَوَّلِ مَنْ لَقِيَهُ مِنْهُمْ، فَهَزَمَهُمْ، وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَغَنِمَ الْإِرْبِلِيُّونَ أَمْوَالَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ وَسِلَاحَهُمْ، وَعَادَ الْعَجَمُ إِلَى بِلَادِهِمْ مُنْهَزِمِينَ، وَعَادَ صَاحِبُ إِرْبِلَ إِلَى بَلَدِهِ مُظَفَّرًا غَانِمًا، وَعَادَ مُجَاهِدُ الدِّينِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَكَانَ يَحْكِي: إِنَّنِي مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ الْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سُوءِ أَفْعَالِ الْعَجَمِ، فَإِنَّنِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا لَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ يَفْعَلُهُ مُسْلِمٌ بِمُسْلِمٍ، وَكُنْتُ أَنْهَاهُمْ فَلَا يَسْمَعُونَ، حَتَّى كَانَ مِنَ الْهَزِيمَةِ مَا كَانَ.
ذِكْرُ وَفَاةِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ يَعْقُوبَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِلَى بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ، وَجَازَ الْبَحْرَ إِلَيْهَا فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ مِنْ عَسَاكِرِ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُ جَمَعَ وَحَشَدَ الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ، فَلَمَّا عَبَرَ الْخَلِيجَ قَصَدَ غَرْبِيَّ الْبِلَادِ، فَحَصَرَ مَدِينَةَ شَنْتَرِينَ، وَهِيَ لِلْفِرِنْجِ، شَهْرًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute