[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
(٥٤٥)
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ أَخْذِ الْعَرَبِ الْحُجَّاجَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، رَابِعَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ خَرَجَ الْعَرَبُ، زَعْبٌ وَمَنِ انْضَمَّ إِلَيْهَا، عَلَى الْحُجَّاجِ بِالْغُرَابِيِّ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَأَخَذُوهُمْ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ نَظَرًا أَمِيرَ الْحَاجِّ [لَمَّا عَادَ مِنَ الْحِلَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَسَارَ عَلَى الْحَاجِّ] قَايْمَازُ الْأُرْجُوَانِيُّ، وَكَانَ حَدَثًا غِرًّا، سَارَ بِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا رَأَى أَمِيرُ مَكَّةَ قَايْمَازَ اسْتَصْغَرَهُ، وَطَمِعَ فِي الْحَاجِّ، وَتَلَطَّفَ قَايْمَازُ الْحَالَ مَعَهُ إِلَى أَنْ عَادُوا.
فَلَمَّا سَارَ عَنْ مَكَّةَ سَمِعَ بِاجْتِمَاعِ الْعَرَبِ، فَقَالَ لِلْحَاجِّ: الْمَصْلَحَةُ أَنْ لَا نَمْضِيَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَضَجَّ الْعَجَمُ وَتَهَدَّدُوهُ بِالشَّكْوَى مِنْهُ إِلَى السُّلْطَانِ سَنْجَرَ، فَقَالَ لَهُمْ: فَأَعْطُوا الْعَرَبَ مَالًا نَسْتَكْفِ بِهِ شَرَّهُمْ! فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْغُرَابِيِّ، وَهُوَ مَنْزِلٌ يُخْرَجُ إِلَيْهِ مِنْ مَضِيقٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَوَقَفُوا عَلَى فَمِ مَضِيقٍ، وَقَاتَلَهُمْ قَايْمَازُ وَمَنْ مَعَهُ، فَلَمَّا رَأَى عَجْزَهُ أَخَذَ لِنَفْسِهِ أَمَانًا، وَظَفِرُوا بِالْحُجَّاجِ، وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ وَجَمِيعَ مَا مَعَهُمْ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْبَرِّ، وَهَلَكَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَلَمْ يَسْلَمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَوَصَلَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَحَمَّلُوا مِنْهَا إِلَى الْبِلَادِ، وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ مَعَ الْعَرَبِ حَتَّى تَوَصَّلَ إِلَى الْبِلَادِ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى انْتَصَرَ لِلْحَاجِّ مِنْ زَعْبٍ، فَلَمْ يَزَالُوا فِي نَقْصٍ وَذِلَّةٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ شَابًّا مِنْهُمْ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَجَرَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُفَاوَضَةٌ قُلْتُ لَهُ فِيهَا: إِنَّنِي وَاللَّهِ كُنْتُ أَمِيلُ إِلَيْكَ حَتَّى سَمِعْتُ أَنَّكَ مِنْ زَعْبٍ، فَنَفَرْتُ وَخِفْتُ شَرَّكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute