فَأَخْبَرَ الْمَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ أَنَكَحْتُكَ ابْنَتِي حَلِيمَةَ. فَقَالَ: لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنِّي فَلُّ مِائَةٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَوْمِ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ. وَتَفَقَّدَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَشْرَافَهُمْ وَإِذَا بِهِمْ قَدْ قُتِلُوا فَضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ لِذَلِكَ وَزَحَفَتْ إِلَيْهِمْ غَسَّانُ فَانْهَزَمُوا.
قُلْتُ: قَدِ اخْتَلَفَ النَّسَّابُونَ وَأَهْلُ السِّيَرِ فِي مُدَّةِ الْأَيَّامِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْمَقْتُولِ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ يَوْمَ حَلِيمَةَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ، وَيَوْمَ أُبَاغٍ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْيَوْمَيْنِ وَاحِدًا فَيَقُولُ: لَمْ يُقْتَلْ إِلَّا الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ. وَأَمَّا ابْنُهُ الْمُنْذِرُ فَمَاتَ بِالْحِيرَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَقْتُولَ مِنْ مُلُوكِ الْحِيرَةِ غَيْرُهُمَا، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَقْتُولَ هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا ابْنُهُ فَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، وَمَنْ أَثْبَتَ قَتْلَهُ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ اخْتِلَافَهُمْ وَالْحَادِثَةُ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مِنْهَا قَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، فَمَتَى تَرَكْنَا أَحَدَهُمَا ظَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مِنْهَا حَادِثٌ مُسْتَقِلٌّ. وَقَدْ أَهْمَلْنَاهُ، فَأَتَيْنَا بِهِمَا جَمِيعًا لِذَلِكَ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ.
[ذِكْرُ قَتْلِ مُضَرِّطِ الْحِجَارَةِ]
وَهُوَ عَمْرُو بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ مَاءِ السَّمَاءِ اللَّخْمِيُّ صَاحِبُ الْحِيرَةِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ مُضَرِّطَ الْحِجَارَةِ لِشِدَّةِ مُلْكِهِ وَقُوَّةِ سِيَاسَتِهِ، وَأُمُّهُ هِنْدٌ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو الْمَقْصُورِ بْنِ آكِلِ الْمُرَارِ، وَهِيَ عَمَّةُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرِ بْنِ الْحَارِثِ.
وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِجُلَسَائِهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِي يَأْنَفُ أَنْ تَخْدِمَ أُمُّهُ أُمِّي؟ قَالُوا: مَا نَعْرِفُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَمْرَو بْنَ كُلْثُومٍ التَغْلِبِيَّ، فَإِنَّ أُمَّهُ لَيْلَى بِنْتُ مُهَلْهِلِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَمُّهَا كُلَيْبُ وَائِلٍ، وَزَوْجُهَا كُلْثُومٌ، وَابْنُهَا عَمْرٌو.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute