تُخَشْخِشُ أَبْدَانُ الْحَدِيدِ عَلَيْهِمُ كَمَا ... خَشْخَشَتْ يَبْسَ الْحَصَادِ جَنُوبُ
فَلَمْ تَنْجُ إِلَّا شَطْبَةٌ بِلِجَامِهَا ... وَإِلَّا طِمِرٌّ كَالْقَنَاةِ نَجِيبُ
وَإِلَّا كَمِيٌّ ذُو حِفَاظٍ كَأَنَّهُ بِمَا ... ابْتَلَّ مِنْ حَدِّ الظُّبَاتِ خَضِيبُ
وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ ... فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذُنُوبُ
فَلَا تَحْرِمَنِّي نَائِلًا عَنْ جَنَابَةٍ ... فَإِنِّي امْرُؤٌ وَسْطَ الْقِبَابِ غَرِيبُ
فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ: فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذُنُوبُ، قَالَ الْمَلِكُ: إِي وَاللَّهِ وَأَذْنِبَةٌ، ثُمَّ أَطْلَقَ شَأْسًا وَقَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ الْحِبَاءَ وَإِنْ شِئْتَ أُسَرَاءَ قَوْمِكَ؟ وَقَالَ لِجُلَسَائِهِ: إِنِ اخْتَارَ الْحِبَاءَ عَلَى قَوْمِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ مَا كُنْتُ لِأَخْتَارَ عَلَى قَوْمِي شَيْئًا. فَأَطْلَقَ لَهُ الْأَسْرَى مِنْ تَمِيمٍ وَكَسَاهُ وَحَبَاهُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ بِالْأَسْرَى جَمِيعَهُمْ وَزَوَّدَهُمْ زَادًا كَثِيرًا. فَلَمَّا بَلَغُوا بِلَادَهُمْ أَعْطَوْا جَمِيعَ ذَلِكَ لِشَأْسٍ وَقَالُوا: أَنْتَ كُنْتَ السَّبَبَ فِي إِطْلَاقِنَا فَاسْتَعِنْ بِهَذَا عَلَى دَهْرِكَ، فَحَصَلَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ مِنْ إِبِلٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(عَبَدَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) .
وَقِيلَ فِي قَتْلِهِ: إِنَّهُ جَمَعَ عَسْكَرًا ضَخْمًا وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ الشَّامَ، وَسَارَ مَلِكُ الشَّامِ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ، فَنَزَلَ مَرْجَ حَلِيمَةَ، وَهُوَ يُنْسَبُ إِلَى حَلِيمَةَ بِنْتِ الْمَلِكِ، وَنَزَلَ الْمَلِكُ اللَّخْمِيُّ فِي مَرْجِ الصُّفَّرِ، فَسَيَّرَ الْحَارِثُ فَارِسَيْنِ طَلِيعَةً، أَحَدُهُمَا فَارِسُ خَصَافٍ، وَكَانَتْ فَرَسُهُ تَجْرِي عَلَى ثَلَاثٍ فَلَا تُلْحَقُ، فَسَارَا حَتَّى خَالَطَا الْقَوْمَ وَقَرُبَا مِنَ الْمَلِكِ وَأَمَامَهُ شَمْعَةٌ فَقَتَلَا حَامِلَهَا. فَفَزِعَ الْقَوْمُ فَاضْطَرَبُوا بِأَسْيَافِهِمْ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى أَصْبَحُوا، وَأَتَاهُمْ رُسُلُ الْحَارِثِ مَلِكِ غَسَّانَ يَبْذُلُ الصُّلْحَ وَالْإِتَاوَةَ وَقَالَ: إِنِّي بَاعِثٌ رُءُوسَ الْقَبَائِلِ لِتَقْرِيرِ الْحَالِ، وَنَدَبَ أَصْحَابَهُ، فَانْتُدِبَ لَهُ مِائَةُ غُلَامٍ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ غُلَامًا، فَأَلْبَسَهُمُ السِّلَاحَ وَأَمَرَ ابْنَتَهُ حَلِيمَةَ أَنْ تُطَيِّبَهُمْ وَتُلْبِسَهُمْ، فَفَعَلَتْ. فَلَمَّا مَرَّ بِهَا لَبِيدُ بْنُ عَمْرٍو فَارِسُ الزَّيْتِيَّةِ قَبَّلَهَا، فَأَتَتْ أَبَاهَا بَاكِيَةً، فَقَالَ: هُوَ أَسَدُ الْقَوْمِ وَلَئِنْ سَلِمَ لَأُنْكِحَنَّهُ إِيَّاكِ، وَأَمَّرَهُ عَلَى الْقَوْمِ وَسَارُوا، فَلَمَّا قَارَبُوا الْعَسْكَرَ الْعِرَاقِيَّ جَمَعَ الْمَلِكُ رُءُوسَ أَصْحَابِهِ. وَجَاءَ الْغَسَّانِيُّونَ وَعَلَيْهِمُ السِّلَاحُ، قَدْ لَبِسُوا فَوْقَهَا الثِّيَابَ وَالْبَرَانِسَ، فَلَمَّا تَتَامُّوا عِنْدَ الْمَلِكِ أَبْدَوُا السِّلَاحَ فَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا، وَقُتِلَ لَبِيدُ بْنُ عَمْرٍو مَلِكُ الْعِرَاقِيِّينَ وَأُحِيطَ بِالْغَسَّانِيِّينَ فَقُتِلُوا إِلَّا لَبِيدَ بْنَ عَمْرٍو، فَإِنَّ فَرَسَهُ لَمْ تَبْرَحْ، فَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَعَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute