للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ]

٥٣٨ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ

ذِكْرُ صُلْحِ الشَّهِيدِ وَالسُّلْطَانِ مَسْعُودٍ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ إِلَى بَغْدَادَ عَلَى عَادَتِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ، وَتَجَهَّزَ لِقَصْدِ أَتَابَكْ زَنْكِي، وَكَانَ حَقَدَ عَلَيْهِ حِقْدًا شَدِيدًا.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ الْخَارِجِينَ عَلَى السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَخْرُجُونَ عَلَيْهِ - عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ - فَكَانَ يَنْسِبُ ذَلِكَ إِلَى أَتَابَكْ زَنْكِي، وَيَقُولُ: إِنَّهُ هُوَ الَّذِي سَعَى فِيهِ وَأَشَارَ بِهِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ كَانُوا يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ، فَكَانَ أَتَابَكْ زَنْكِي لَا شَكَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ السُّلْطَانُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، فَلَمَّا تَفَرَّغَ السُّلْطَانُ هَذِهِ السَّنَةَ جَمَعَ الْعَسَاكِرَ لِيَسِيرَ إِلَى بِلَادِهِ، فَسَيَّرَ أَتَابَكْ يَسْتَعْطِفُهُ وَيَسْتَمِيلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ الْأَنْبَارِيِّ فِي تَقْرِيرِ الْقَوَاعِدِ، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ يَحْمِلُهَا إِلَى السُّلْطَانِ لِيَعُودَ عَنْهُ، فَحَمَلَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ أَكْثَرُهَا عُرُوضٌ، ثُمَّ تَنَقَّلَتِ الْأَحْوَالُ بِالسُّلْطَانِ إِلَى أَنِ احْتَاجَ إِلَى مُدَارَاةِ أَتَابَكْ، وَأَطْلَقَ لَهُ الْبَاقِيَ اسْتِمَالَةً لَهُ، وَحِفْظًا لِقَلْبِهِ، وَكَانَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي قُعُودِ السُّلْطَانِ عَنْهُ مَا يَعْمَلُهُ مِنْ حَصَانَةِ بِلَادِهِ وَكَثْرَةِ عَسَاكِرِهِ وَأَمْوَالِهِ.

وَمِنْ جَيِّدِ الرَّأْيِ مَا فَعَلَهُ الشَّهِيدُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ وَلَدُهُ الْأَكْبَرُ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي لَا يَزَالُ عِنْدَ السُّلْطَانِ سَفَرًا، وَحَضَرًا بِأَمْرِ وَالِدِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْآنَ يَأْمُرُهُ بِالْهَرَبِ مِنْ عِنْدِ السُّلْطَانِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَأَرْسَلَ إِلَى نَائِبِهِ بِهَا نَصِيرِ الدِّينِ جَقَرَ يَقُولَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>