[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥١٩ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ ذِكْرُ وُصُولِ الْمَلِكِ طُغْرَلَ وَدُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ إِلَى الْعِرَاقِ وَعَوْدِهِمَا عَنْهُ
قَدْ ذَكَرْنَا مَسِيرَ دُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ إِلَى الْمَلِكِ طُغْرَلَ مِنَ الشَّامِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ لَقِيَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْيَانِ خَوَاصِّهِ وَأُمَرَائِهِ، فَحَسَّنَ لَهُ دُبَيْسٌ قَصْدَ الْعِرَاقِ، وَهَوَّنَ أَمْرَهُ عَلَيْهِ، وَضَمِنَ لَهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ، فَسَارَ مَعَهُ إِلَى الْعِرَاقِ، فَوَصَلُوا دَقُوقَا فِي عَسَاكِرَ كَثِيرَةٍ. فَكَتَبَ مُجَاهِدُ الدَّيْنِ بَهْرُوزُ مِنْ تَكْرِيتَ يُخْبِرُ الْخَلِيفَةَ خَبَرَهُمَا، فَتَجَهَّزَ لِلْمَسِيرِ وَمَنْعِهِمَا، وَأَمَرَ يَرْنَقْشَ الزَّكْوِيَّ، شِحْنَةَ الْعِرَاقِ، أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلْحَرْبِ، وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ، وَالْأُمَرَاءَ الْبَكْجِيَّةَ، وَغَيْرَهُمْ، فَبَلَغَتْ عِدَّةُ الْعَسَاكِرِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا سِوَى الرَّجَّالَةِ وَأَهْلِ بَغْدَاذَ، وَفَرَّقَ السِّلَاحَ.
وَبَرَزَ خَامِسَ صَفَرٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ أَرْبَابُ الدَّوْلَةِ رَجَّالَةٌ، وَخَرَجَ مِنْ بَابِ النَّصْرِ، وَكَانَ قَدْ أَمَرَ بِفَتْحِهِ تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَسَمَّاهُ بَابَ النَّصْرِ، وَنَزَلَ صَحْرَاءَ الشَّمَّاسِيَّةِ، وَنَزَلَ يَرْنَقْشُ عِنْدَ السَّبِّيِّ، ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ الْخَالِصَ تَاسِعَ صَفَرٍ.
فَلَمَّا سَمِعَ طُغْرَلُ بِخُرُوجِ الْخَلِيفَةِ عَدَلَ إِلَى طَرِيقِ خُرَاسَانَ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ فِي النَّهْبِ وَالْفَسَادِ، وَنَزَلَ هُوَ رِبَاطَ جَلُولَاءَ، فَسَارَ إِلَيْهِ الْوَزِيرُ جَلَالُ الدِّينِ بْنُ صَدَقَةَ فِي عَسْكَرٍ كَثِيرٍ، فَنَزَلَ الدَّسْكَرَةَ وَتَوَجَّهَ طُغْرَلُ وَدُبَيْسٌ إِلَى الْهَارُونِيَّةِ وَسَارَ الْخَلِيفَةُ فَنَزَلَ بِالدَّسْكَرَةِ هُوَ وَالْوَزِيرُ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَ دُبَيْسٍ وَطُغْرَلَ أَنْ يَسِيرًا حَتَّى يَعْبُرَا دَيَالَى وَتَامَرَّا، وَيَقْطَعَا جِسْرَ النَّهْرَوَانِ، وَيُقِيمَ دُبَيْسٌ لِيَحْفَظَ الْمَعَابِرَ، وَيَتَقَدَّمَ طُغْرَلُ إِلَى بَغْدَاذَ فَيَمْلِكَهَا وَيَنْهَبَهَا، فَسَارَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، فَعَبَرَا تَامَرَّا، وَنَزَلَ طُغْرَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَيَالَى.
وَسَارَ دُبَيْسٌ عَلَى أَنْ يَلْحَقَهُ طُغْرَلُ، فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَلِكَ طُغْرَلَ لَحِقَهُ حُمَّى شَدِيدَةٌ، وَنَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَطَرِ مَا لَمْ يُشَاهِدُوا مِثْلَهُ، وَزَادَتِ الْمِيَاهُ وَجَاءَتِ السُّيُولُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute