للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ]

٦٧ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ

ذِكْرُ مَقْتَلِ ابْنِ زِيَادٍ

وَلَمَّا سَارَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ مِنَ الْكُوفَةِ أَسْرَعَ السَّيْرَ لِيَلْقَوُا ابْنَ زِيَادٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَرْضَ الْعِرَاقِ، وَكَانَ ابْنُ زِيَادٍ قَدْ سَارَ فِي عَسْكَرٍ عَظِيمٍ مِنَ الشَّامِ، فَبَلَغَ الْمَوْصِلَ وَمَلَكَهَا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا، فَسَارَ إِبْرَاهِيمُ وَخَلَّفَ أَرْضَ الْعِرَاقِ وَأَوْغَلَ فِي أَرْضِ الْمَوْصِلِ، وَجَعَلَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ الطُّفَيْلَ بْنَ لَقِيطٍ النَّخَعِيَّ، وَكَانَ شُجَاعًا.

فَلَمَّا دَنَا ابْنُ زِيَادٍ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ وَلَمْ يَسِرْ إِلَّا عَلَى تَعْبِيَةٍ وَاجْتِمَاعٍ، إِلَّا أَنَّهُ يَبْعَثُ الطُّفَيْلَ عَلَى الطَّلَائِعِ حَتَّى يَبْلُغَ نَهْرَ الْخَازِرِ مِنْ بَلَدِ الْمَوْصِلِ، فَنَزَلَ بِقَرْيَةِ بَارِشْيَا. وَأَقْبَلَ ابْنُ زِيَادٍ إِلَيْهِ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْهُمْ عَلَى شَاطِئِ الْخَازِرِ.

وَأَرْسَلَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُبَابِ السُّلَمِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ زِيَادٍ، إِلَى ابْنِ الْأَشْتَرِ: أَنِ الْقَنِي، وَكَانَتْ قَيْسٌ كُلُّهَا مُضْطَغِنَةً عَلَى ابْنِ مَرْوَانَ وَقْعَةَ مَرْجِ رَاهِطٍ، وَجُنْدُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَوْمَئِذٍ كَلْبٌ. فَاجْتَمَعَ عُمَيْرٌ وَابْنُ الْأَشْتَرِ، فَأَخْبَرَهُ عُمَيْرٌ أَنَّهُ عَلَى مَيْسَرَةِ ابْنِ زِيَادٍ، وَوَاعَدَهُ أَنْ يَنْهَزِمَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْأَشْتَرِ: مَا رَأْيُكَ؟ أُخَنْدِقُ عَلَيَّ وَأَتَوَقَّفُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً؟ فَقَالَ عُمَيْرٌ: لَا تَفْعَلْ، وَهَلْ يُرِيدُونَ إِلَّا هَذَا؟ فَإِنَّ الْمُطَاوَلَةَ خَيْرٌ لَهُمْ، وَهُمْ كَثِيرٌ أَضْعَافُكُمْ، وَلَيْسَ يُطِيقُ الْقَلِيلُ الْكَثِيرَ فِي الْمُطَاوَلَةِ، وَلَكِنْ نَاجِزِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ مُلِئُوا مِنْكُمْ رُعْبًا، وَإِنْ هُمْ شَامُّوا أَصْحَابَكَ، وَقَاتَلُوهُمْ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَمَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ - أَنِسُوا بِهِمْ وَاجْتَرَءُوا عَلَيْهِمْ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ لِي مُنَاصِحٌ، وَبِهَذَا أَوْصَانِي صَاحِبِي. قَالَ عُمَيْرٌ: أَطِعْهُ فَإِنَّ الشَّيْخَ قَدْ ضَرَّسَتْهُ الْحَرْبُ وَقَاسَى مِنْهَا مَا لَمْ يُقَاسِهِ أَحَدٌ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَنَاهِضْهُمْ.

وَعَادَ عُمَيْرٌ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَذْكَى ابْنُ الْأَشْتَرِ حَرَسَهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ عَيْنَهُ غَمْضٌ، حَتَّى إِذَا كَانَ السَّحَرُ الْأَوَّلُ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ، وَكَتَّبَ كَتَائِبَهُ، وَأَمَرَ أُمَرَاءَهُ، فَجَعَلَ سُفْيَانَ بْنَ يَزِيدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>