[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعِينَ]
٩٠ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعِينَ
ذِكْرُ فَتْحِ بُخَارَى
قَدْ ذَكَرْنَا وُرُودَ كِتَابِ الْحَجَّاجِ إِلَى قُتَيْبَةَ يَأْمُرُهُ بِالتَّوْبَةِ عَنِ انْصِرَافِهِ عَنْ وَرْدَانَ خُذَاهْ مَلِكَ بُخَارَى، وَيُعَرِّفُهُ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَأْتِي بَلَدَهُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى قُتَيْبَةَ خَرَجَ غَازِيًا إِلَى بُخَارَى سَنَةَ تِسْعِينَ، فَاسْتَجَاشَ وَرَدَانُ خُذَاهُ بِالصُّغْدِ وَالتُّرْكِ مِنْ حَوْلِهِ فَأَتَوْهُ، وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا قُتَيْبَةُ فَحَصَرَهَا، فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ أَمْدَادُهُمْ خَرَجُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ، فَقَالَتِ الْأَزْدُ: اجْعَلُونَا نَاحِيَةً وَخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ قِتَالِهِمْ. فَقَالَ قُتَيْبَةُ: تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا وَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ إِنَّ الْأَزْدَ انْهَزَمُوا حَتَّى دَخَلُوا الْعَسْكَرَ، وَرَكِبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَحَطَّمُوهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ عَسْكَرَهُمْ، وَجَازُوهُ حَتَّى ضَرَبَ النِّسَاءُ وُجُوهَ الْخَيْلِ وَبَكَيْنَ، فَكَرُّوا رَاجِعِينَ، فَانْطَوَتْ مُجَنِّبَتَا الْمُسْلِمِينَ عَلَى التُّرْكِ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى رَدُّوهُمْ إِلَى مَوَاقِفِهِمْ، فَوَقَفَ التُّرْكُ عَلَى نَشَزٍ، فَقَالَ قُتَيْبَةُ: مَنْ يُزِيلُهُمْ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ؟ فَلَمْ يَقْدُمْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَتَى بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ لَهُمْ: يَوْمٌ كَأَيَّامِكُمْ، فَأَخَذَ وَكِيعٌ اللِّوَاءَ وَقَالَ: يَا بَنِي تَمِيمٍ أَتُسَلِّمُونَنِي الْيَوْمَ؟ قَالُوا: لَا يَا أَبَا مُطَرِّفٍ.
وَكَانَ هُرَيْمُ بْنُ أَبِي طَحْمَةَ عَلَى خَيْلِ تَمِيمٍ، وَوَكِيعٌ رَأَسَهُمْ، فَقَالَ وَكِيعٌ: يَا هُرَيْمُ قَدِّمْ خَيْلَكَ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ الرَّايَةَ، فَتَقَدَّمَ هُرَيْمٌ وَتَقَدَّمَ وَكِيعٌ فِي الرَّجَّالَةِ، فَانْتَهَى هُرَيْمٌ إِلَى نَهْرٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ التُّرْكِ، فَوَقَفَ فَقَالَ وَكِيعٌ: تَقَدَّمْ يَا هُرَيْمُ، فَنَظَرَ هُرَيْمٌ نَظَرَ الْجَمَلِ الْهَائِجِ الصَّائِلِ وَقَالَ: أَأُقْحِمُ الْخَيْلَ هَذَا النَّهْرَ؟ فَإِنِ انْكَشَفَتْ كَانَ هَلَاكُهَا يَا أَحْمَقُ. فَقَالَ وَكِيعٌ: يَابْنَ اللَّخْنَاءِ، أَتَرُدُّ أَمْرِي! فَحَذَفَهُ بِعَمُودٍ كَانَ مَعَهُ، فَعَبَرَ هُرَيْمٌ فِي الْخَيْلِ، وَانْتَهَى وَكِيعٌ إِلَى النَّهْرِ، فَعَمِلَ عَلَيْهِ جِسْرًا مِنْ خَشَبٍ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَوْتِ فَلْيَعْبُرْ، وَإِلَّا فَلْيَثْبُتْ مَكَانَهُ. فَمَا عَبَرَ مَعَهُ إِلَّا ثَمَانُمِائَةِ رَجُلٍ، فَلَمَّا عَبَرَ بِهِمْ وَدَنَا مِنَ الْعَدُوِّ قَالَ لِهُرَيْمٍ: إِنِّي مُطَاعِنُهُمْ، فَاشْغَلْهُمْ عَنَّا بِالْخَيْلِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى خَالَطَهُمْ، وَحَمَلَ هُرَيْمٌ فِي الْخَيْلِ فَطَاعَنُوهُمْ، وَلَمْ يَزَالُوا يُقَاتِلُونَهُمْ حَتَّى حَدَرُوهُمْ مِنَ التَّلِّ، وَنَادَى قُتَيْبَةُ: مَا تَرَوْنَ الْعَدُوَّ مُنْهَزِمِينَ؟ فَلَمْ يَعْبُرْ أَحَدٌ النَّهْرَ حَتَّى انْهَزَمُوا، وَعَبَرَ النَّاسُ، وَنَادَى قُتَيْبَةُ: مَنْ أَتَى بِرَأْسٍ فَلَهُ مِائَةٌ، فَأُتِيَ بِرُءُوسٍ كَثِيرَةٍ، فَجَاءَ يَوْمَئِذٍ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْعٍ، كُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute