فَتَبَارَزَا، فَرَفَعَ أَرْيَاطُ الْحَرْبَةَ فَضَرَبَ أَبْرَهَةَ، فَوَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَشَرَمَتْ أَنْفَهُ وَعَيْنَهُ، فَسُمِّيَ الْأَشْرَمَ. وَحَمَلَ غُلَامٌ لِأَبْرَهَةَ يُقَالُ لَهُ عَتُودَةُ، كَانَ قَدْ تَرَكَهُ كَمِينًا مِنْ خَلْفِ أَرْيَاطَ، عَلَى أَرْيَاطَ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَوْلَى أَبْرَهَةُ عَلَى الْجُنْدِ وَالْبِلَادِ وَقَالَ لِعَتُودَةَ: احْتَكِمْ. فَقَالَ: لَا تَدْخُلُ عَرُوسٌ عَلَى زَوْجِهَا مِنَ الْيَمَنِ حَتَّى أُصِيبَهَا قَبْلَهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَبَقِيَ يَفْعَلُ بِهِمْ هَذَا الْفِعْلَ حِينًا، ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَتَلَهُ، فَسُرَّ أَبْرَهَةُ بِقَتْلِهِ وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَحْتَكِمُ هَكَذَا لَمْ أُحَكِّمْهُ.
وَلَمَّا بَلَغَ النَّجَاشِيَّ قَتْلُ أَرْيَاطَ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَحَلَفَ أَلَّا يَدَعَ أَبْرَهَةَ حَتَّى يَطَأَ أَرْضَهُ وَيَجُزَّ نَاصِيَتَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبْرَهَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مِنْ تُرَابِ الْيَمَنِ وَجَزَّ نَاصِيَتَهُ وَأَرْسَلَهَا أَيْضًا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ وَإِرْسَالِ شَعْرِهِ وَتُرَابِهِ لِيَبِرَّ قَسَمَهُ بِوَضْعِ التُّرَابِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَرَضِيَ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَلِهِ.
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِالْيَمَنِ بَعَثَ إِلَى أَبِي مُرَّةَ ذِي يَزَنٍ، فَأَخَذَ زَوْجَتَهُ رَيْحَانَةَ بِنْتَ ذِي جُدْنٍ وَنَكَحَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ مَسْرُوقًا وَكَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ لِذِي يَزَنٍ وَلَدًا اسْمُهُ مَعْدِي كَرِبَ، وَهُوَ سَيْفٌ، فَخَرَجَ ذُو يَزَنٍ مِنَ الْيَمَنِ فَقَدِمَ الْحِيرَةَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ إِلَى كِسْرَى كِتَابًا يُعْلِمْهُ مَحَلَّهُ وَشَرَفَهُ وَحَاجَتَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَفِدُ إِلَى الْمَلِكِ كُلَّ سَنَةٍ وَهَذَا وَقْتُهَا، فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَتَّى وَفَدَ مَعَهُ وَدَخَلَ إِلَى كِسْرَى مَعَهُ، فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ وَذَكَرَ حَاجَتَهُ وَشَكَا مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَاسْتَنْصَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَأَطْمَعَهُ فِي الْيَمَنِ وَكَثْرَةِ مَالِهَا، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ: إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أُسْعِفَكَ بِحَاجَتِكَ وَلَكِنَّ الْمَسَالِكَ إِلَيْهَا صَعْبَةٌ وَسَأَنْظُرُ، وَأَمَرَ بِإِنْزَالِهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَ.
وَنَشَأَ ابْنُهُ مَعْدِي كَرِبَ ذِي يَزَنٍ فِي حُجْرَةِ أَبْرَهَةَ، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ أَبُوهُ، فَسَبَّهُ ابْنٌ لَأَبْرَهَةَ وَسَبَّ أَبَاهُ، فَسَأَلَ أُمَّهُ عَنْ أَبِيهِ، فَصَدَقَتْهُ، وَأَقَامَ حَتَّى مَاتَ أَبْرَهَةُ وَابْنُهُ يَكْسُومُ وَسَارَ عَنِ الْيَمَنِ، فَفَعَلَ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
[ذِكْرُ مُلْكِ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ بْنِ قُبَاذَ بْنِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ بْنِ بَهْرَامَ جَوْرَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ الْأَثِيمِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute